(حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة ومسدّد، المعنى، قالا: ثنا سفيان عن عمرو عن أبي قابوس) قال الذهبي في العذب السلسل: هذا الحديث في أفراد سفيان، وهو في رتبة من يحتجّ بما ينفرد به لحفظه وأمانته (١)، وكذلك شيخه عمرو بن دينار عالم أهل مكة مع عطاء متّفق على الاحتجاج بما ينفرد به، فأمَّا أبو قابوس فتابعي مقلّ محلّه الصدق، ما عنده غير هذا الحديث الواحد، ولجهالته لم يحتجّ به الشيخان ولا يعرف له اسم.
وقال ابن الصلاح: حدَّثني الثقة أبو رشيد بن أبي بكر قال: ذكر لي الحافظ أبو الفرج ثابت بن محمد المديني أنَّ أبا قابوس اسمه المبرّد وجعل يتبجَّح به، وليس هذا ممَّا يركن إليه، قال: وقابوس لا ينوَّن لأنَّه غير منصرف للعجمة مع العلمية، قطع بهذا غير واحد ممّن يعتمد عليه.
(الرّاحمون يرحمهم الرحمن) قال الذهبي: صحّف بعض الروَّاة الرَّحمن بالرَّحيم، قال: والرَّاحمون هم الذين فيهم رقّة وتحنّن في الجملة، وتعطّف وشفقة على خلق الله، وضدّهم الجبّارون القاسيّة قلوبهم المعذّبون خلق الله بالعسف والظلم، فقيل قد يكون الشخص رحيمًا من وجه، جبَّارًا عسوفًا من وجه، فالجواب أنَّ الحكم للغلبة وليس من شرط الرّاحم أن لا يكون في وقت منتقمًا، والله تعالى يقول في حقّ الصحابة:{أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}، وقال:{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}، وقال تعالى:{وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}، كانوا يقاتلون من كفر بالله ولا يخافون لومة لائم، ويقيمون الحدود على من سرق أو قتل أو زنى، فرحمة الخلق مقيدة باتّباع الكتاب والسنة، فبعض الرّاحمين يسرف في الرَّحمة حتى يخلّ بالجهاد ويهرب من إقامة الحدود، ولا ينتقم لحرمة الله، كما أنَّ بعض الجبارة وأولي القسوة يتجاوزون في الظلم وينتقم لنفسه أشدّ ممّا ينتقم لله، وقد كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ميزانًا عادلًا في ذلك، فما ضرب خادمًا ولا مملوكًا، ولا انتقم لنفسه، وكان يضرب بسيفه في