للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَعْداء الله ويقيم الحدود كما أمره الله، وقال لأسامة: "أتشفع في حدٍّ من حدود الله"، فدين الإسلام دين حنيفي لا كرقّة الرهبان المذمومة، ولا كقسوة اليهود الممقوتة. انتهى.

وقال القاضي تاج الدين السبكي في تذكرته ومن خطّه نقلتُ: سأل ابن الخويّ في كتابه ينابيع العلوم: ما الحكمة حيث أتى في هذا الحديث بالرَّاحمين وهو جمع راحم، ولم يأت بالرّحماء جمع رحيم، وإن كان غالب ما ورد من الرّحمة استعمال الرّحيم لا الرّاحم؟ قال: وأجاب: بأنّ الرّحيم صفة مبالغة، فلو أتى بجمعها لاقتضى الاقتصار عليه، فأتى بجمع راحم إشارة إلى أن عباد الله تعالى منهم من قلَّت رحمته فيصبح وصفه بالرَّاحم لا الرحيم فيدخل في ذلك.

ثمَّ أورد على نفسه قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنما يرحم الله من عباده الرُّحماء"، وقال: إنَّ له جوابًا حقه أن يكتب بماء الذّهب على صفحات القلوب، وهو أن لفظ الجلالة دالّ على العظمة والكبرياء، ولفظ الرَّحمن دالّ على العفو، قال: وبالاستقراء حيث ورد لفظ الجلالة يكون الكلام مسوقًا للتعظيم، فلمَّا ذكر لفظ الجلالة في قوله: "إنّما يرحم الله" لم يناسب معها غير ذكر من كثرت رحمته وعظمت ليكون الكلام جاريًا على نسق العظمة، ولمَّا كان الرَّحمن يدلّ على المبالغة في العفو ذكر كلّ ذي رحمة وإن قَلَّت. انتهى.

(ارحموا (من في الأرض) (١) يرحمكم من في السماء) قال ابن الصلاح في إملائه: في هذا الحديث وأشباهه فرق ثلاث، فرقة تُأوَّل، وأخرى تشبَّه، وثالثة ترى أنَّه لم يطلق الشارع مثل هذه اللفظة إلَّا وإطلاقها سائغ وحسن، فنقولها (٢) مطلقة كما قال مع التصريح بالتقديس والتنزيه، والتبرّي من التحديد والتشبيه، وتلهى عنها فلا تهتم (٣) بشأنها ذِكرًا ولا


(١) في سنن أبي داود المطبوع: "أهل الأرض".
(٢) في ج: "فيقولها".
(٣) في أ: "تهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>