للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في هذا الحديث، فدخل على بعض أمّهات المؤمنين، لعلَّها خالته ميمونة، فأخرجت له المرآة التي كانت للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنظر فيها صورة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم ير صورة نفسه. ونقل عن جماعة من الصالحين أنّهم رأوا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المنام ثمّ رأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متخوّفين، فأرشدهم إلى (طريق تفريجها) (١) فجاء الأمر كذلك، وهذا نوع من كرامات الأولياء.

قلت: وأكثر من يقع له ذلك إنّما يقع له قرب موته، أو عند الاحتضار، ويكرم الله به من يشاء قبل ذلك، وقد نصّ على وقوع ذلك كرامة للأولياء خلق من الأئمّة؛ منهم: حجّة الإسلام الغزالي، والقاضي أبو بكر بن العربي، والشيخ عزّ الدّين بن عبد السلام، قال الغزالي: ليس المراد أنّه يرى جسمه وبدنه، بل مثالًا له صار ذلك المثال آلة يتأدّى بها المعنى الذي في نفسه، قال: والآلة تارة تكون حقيقيّة، وتارة تكون خياليّة، والنفس غير المثال المتخيّل، فما رآه من الشكل ليس هو روح المصطفى ولا شخصه، بل هو مثال له على التحقيق. قال: ومثل ذلك من يرى الله تعالى في المنام، فإنّ ذاته منزّهة عن الشكل والصورة، ولكن تنتهي تعريفاته إلى العبد بواسطة مثال محسوس من نور أو غيره، ويكون ذلك المثال حقًّا في كونه واسطة في التعريف، فيقول الرّائي: رأيت الله تعالى في المنام، لا يعني أنّي رأيت ذات الله (كما يقول) (٢) في حق غيره.

وقال القاضي أبو بكر بن العربي: رؤية النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بصفته المعلومة (إدراك) (٣) على الحقيقة، ورؤيته على غير صفته إدراك للمثال. وقال النووي: قال عياض: يحتمل أنّ يكون المراد بالحديث من رآه على صورته المعروفة في حياته، قال النووي: وهذا ضعيف، بل الصّحيح أنه يراه حقيقة، سواء كانت على صفته المعروفة أو غيرها.


(١) في ج: "طريقه".
(٢) في أ: "كما يقوله الرائي".
(٣) في أ: "إذ ذاك".

<<  <  ج: ص:  >  >>