للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعتاص على إبليس أنّ يظهر بصورة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم إنَّ اللَّعين قد ترآى لكثيرين وخاطبهم بأنَّه الحقّ طلبًا لإضلالهم، وقد أضلّ جماعة بمثل هذا حتى ظنّوا أنَّهم رأوا الحقّ وسمعوا خطابه؟

فالجواب من وجهين؛ أحدهما: أنّ كلّ عاقل يعلم أنّ الحق ليست له صورة معيّنة توجب الإشباه بخلاف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنّه ذو صورة معيّنة معلومة مشهودة، والثاني: أنّ من مقتضى (حكم الحقّ) (١) أنَّه يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء، بخلاف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنّه مقيّد بصفة الهداية وظاهر بصورتها، فوجب عصمة صورته من أنّ يظهر بها الشيطان لبقاء الاعتماد وظهور حكم الهداية فيمن (شاء) (٢) الله هدايته به عليه الصلاة والسلام. انتهى.

وقال الحافظ ابن حجر: اختلف في معنى قوله: "فسيراني في اليقظة"، فقيل فسيرى تفسير ما رأى في اليقظة لأنَّه حقّ وغيب ألقي فيه، وقيل معناه فسيراني في القيامة، وتعقب بأنَّه لا فائدة في هذا التخصيص لأن كلّ أمته يرونه يوم القيامة، من رآه منهم في النوم ومن لم يره، وأجاب القاضي عياض بأنّ المراد رؤية خاصّة من القرب منه أو نحو ذلك من الخصوصيات، قال: ولا يبعد أنّ يعاقب الله بعض المذنبين يوم القيامة بمنع رؤية نبيّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مدّة، وقال ابن التّين: المراد من آمن به في حياته ولم يره لكونه حينئذٍ غائبًا عنه، فيكون مبشرًا له أنَّه لا بد أنّ يراه في اليقظة قبل موته، وقال المازري: إن كان المحفوظ: "فكأنّما رآني في اليقظة" فمعناه ظاهر، وإن كان المحفوظ: "فسيراني في اليقظة" احتمل أنّ يكون أراد أهل عصره ممَّن لم يهاجر إليه، فإنَّه إذا رآه في المنام جعل ذلك علامة على أنَّه يراه بعد ذلك في اليقظة، وأوحى الله بذلك إليه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال قوم هو على ظاهره، فمن رآه في الصوم فلا بد أنّ يراه في اليقظة بعيني رأسه، وقيل: بعيني في قلبه، حكاهما القاضي أبو بكر بن العربي. وذكر ابن أبي جمرة عن ابن عباس أو غيره أنَّه رأى النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في النَّوم فبقي بعد أنّ استيقظ متفكّرًا


(١) في أ: "الحكم".
(٢) في أ: "سأل".

<<  <  ج: ص:  >  >>