للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وقوله: (أو لكأنّما رآني في اليقظة) شكّ من الراوي ومعناه غير الأوّل، لأنَّه تشبيه وهو صحيح لأنَّ ما رآه في النّوم مثالي وما يرى في عالم الحسّ حسّي فهو تشبيه خيالي بحسّي. قال: وقوله: (ولا يتمثّل الشيطان بي) استئناف، فكأنّ سائلًا قال: وما سبب ذلك؟ فقال: لا يتمثَّل الشيطان بي، يعني ليس ذلك المنام من قبيل القسم الثاني وهو أن يمثّل الشيطان في خيال الرائي ما شاء من التخيّلات.

قال: وهل هذا (المعنى مختصّ) (١) بالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو لا؟ قال بعضهم: رؤية الله تعالى ورؤية الملائكة والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ورؤية الشمس والقمر، والنجوم المضيئة والسحاب الذي فيه الغيث، لا يتمثّل الشيطان بشيء منها، وذكر المحقِّقون أنَّه خاصّ به - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقالوا في ذلك أنَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإن ظهر بجميع (٢) أحكام أسماء الحقّ وصفاته تخلّقًا وتحقّقًا، فإن من مقتضى مقام رسالته وإرشاده للخلق ودعوتهم إيّاهم إلى الحق الذي أرسله إليهم، هو أنّ يكون الأظهر فيه حكمًا وسلطنة (٣) من صفات الحقّ وأسمائه صفة الهداية والاسم الهادي، كما أخبر الحقّ تعالى عن ذلك بقوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، فهو عليه الصَّلاة والسلام صورة الاسم الهادي ومظهر صفة الهادي، والشيطان مظهر الاسم المضلّ والظاهر بصفة الضّلالة (٤)، فهما ضدّان، ولا يظهر أحدهما بصورة (٥) الآخر، فالنبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خلقه الله للهداية، فلو ساغ ظهور إبليس بصورته زال الاعتماد بكلّ ما يبديه الحقّ ويظهره لمن شاء هدايته به، فلهذه الحكمة عصم الله صورة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أنْ يظهر بها شيطان.

فإن قيل: عظمة الحقّ سبحانه أتمّ من عظمة كلّ عظيم، فكيف


(١) في أ: "معنى يختصّ".
(٢) في ج: "في جميع".
(٣) في ب: "سلطة".
(٤) في أ: "الدلالة".
(٥) في ج: "بصفة".

<<  <  ج: ص:  >  >>