للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صور طير بيض وفي لفظ عن كعب بن مالك: "أرواح الشّهداء طير خضر قال القرطبي: وهذا كلّه أصحّ من رواية ة في جوف طير خضر"، (قاله) (١) ابن عبد البر في الاستذكار. وقال القابسي (٢) أنكر العلماء رواية: "في حواصل طير خضر" لأنّها حينئذٍ تكون محصورة مضيّقًا عليها، وردّ بأن الرواية ثابتة والتأويل محتمل بأن تجعل "في" بمعنى "على"، والمعنى أرواحهم على جوف طير خضر، كقوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} أي على جذوع، وجائز أن يسمّى الطير جوفًا إذ هو محيط به ومشتمل عليه، قاله عبد الحق. قال القرطبي: "وهو حسن جدًّا"، وقال غيره: لا مانع من أن تكون في الأجواف حقيقة ويوسعها الله لها حتى تكون أوسع من الفضاء. وقال الشّيخ عزّ الدّين بن عبد السلام في أماليه في قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ}: فإن قيل الأموات كلّهم كذلك فكيف خصّص هؤلاء؟ فالجواب: إنّ الكلّ ليس كذلك لأنّ الموت عبارة عن أن تنزع الروح من الأجساد كقوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا}، أي: يأخذها وافية من الأجساد، والمجاهد تنقل روحه إلى طير أخضر، فقد انتقل من جسد إلى آخر بخلاف غيره فإن أرواحهم تبقى في الأجساد. انتهى.

وقال التوربشتي: أراد بقوله: "جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر" أنّ الروح الإنسانية (المتميزة المخصوصة) (٣) بالإدراكات بعد مفارقتها البدن، يهيّأ لها طير أخضر، فتنتقل إلى جوفه ليعلق ذلك الطير من ثمر الجنة، فتجد الروح بواسطته ريح الجنة ولذّتها والبهجة والسرور، ولعلّ الروح يحصل لها تلك الهيئة إذا تشكلت وتمثلت بأمر الله تعالى طيرًا أخضر كتمثّل الملك بشرًا، وعلى أيّة حالة كانت، فالتسليم واجب علينا لورود البيان الواضح على ما أخبر عنه الكتاب والسنة ورودًا صريحًا ولا سبيل إلى خلافه.


(١) في أ: "قال".
(٢) في ج: "القاضي".
(٣) في ج: "المخصوصة المتميّزة".

<<  <  ج: ص:  >  >>