للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقول: إذا فسّرنا الحديث بأنّ الروح تتشكّل (طائرًا) (١)، فالأشبه أنّ ذلك في القدرة على الطيران فقط لا في صورة الخلقة، لأنّ شكل الإنسان أفضل الأشكال، وقد قال السهيلي في حديث الترمذي أنّ جعفر بن أبي طالب أعطي جناحين يطير بهما في السماء مع الملائكة: يتبادر من ذكر الجناحين والطيران أتهما كجناحي الطائر، لهما ريش، وليس كذلك فإنّ الصورة الآدميّة أشرف الصّور وأكملها، فالمراد بهما صفة ملكية وقوّة روحانية أعطيها جعفر، وقد قال العلماء في أجنحة الملائكة أتها صفات ملكية لا تفهم إلّا بالمعاينة، فقد ثبت أنّ لجبريل ستمائة جناح ولا يعهد للطير ثلاثة أجنحة فضلًا عن أكثر من ذلك، وإذا لم يثبت خبر في كيفيتها فنؤمن بها من غير بحث عن حقيقتها. انتهى.

وقال الشيخ وليّ الدّين: وصفه الطير بالخضر يحتمل أن يريد به أنّ لونها كذلك، ويحتمل أن يريد به أنّها غضّة ناعمة. وفي الطبقات الكبرى للقاضي تاج الدّين السبكي: سمعت والدي يقول سمعت أبا زكريا يحيى بن علي يقول: كنّا حاضرين في الدّرس عند قاضي القضاة صدر الدّين بن بنت الأعزّ وهو يلقي في حديث أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر، فحضر الشيخ علم الدّين العراقي فلمّا استقرّ جالسًا قال على وجه السؤال: لا يخلو إمّا أن يحصل للطير الحياة بتلك الرّوح أو لا؟ والأوّل عين ما تقوله التناسخيّة، والثاني مجرّد حبس الأرواح وسجنها. قال السبكي: والجواب عن هذا أنّا نلتزم الثّاني، ولا يلزم كونه مجرّد حبس وسجن لجواز أن يقدّر الله تعالى في تلك الحواصل من السّرور والنعم ما لا يجده في الفضاء الواسع. انتهى.

(لئلّا ينكلوا) (٢) بضمّ الكاف، أي: يجبنوا.


(١) في ب: "طيرا".
(٢) في سنن أبي داود المطبوع: "ولا ينكلوا".

<<  <  ج: ص:  >  >>