للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(أقرّوا الطير على مكناتها) قال الخطابي: قال أبو عبيد: قال أبو زياد (١) الكلّابي: لا يعرف للطير مكنات وإنّما هي الوكنات، وهي موضع عشّ الطائر. قال أبو عبيد: وتفسير المكنات على (غير) (٢) هذا التفسير، يقول لا تزجروا الطير ولا تلتفتوا إليها، أقرّوها على مواضعها التي جعلها الله لها من أنّها لا تضرّ ولا تنفع. وكلاهما له وجه، وفيه وجه ثالث يحكى عن الشافعي أنّه قال: كانت العرب تولع بالعيافة وزجر الطير، فكان العربي إذا خرج من بيته غاديًا في بعض الحاجة نظر هل يرى طائرًا يطير فينزجر بسنوحه أو بروحه، فإذا لم ير ذلك عمد إلى الطير الواقع على الشجر فحرّكه ليطير ثمّ ينظر أيّ جهة يأخذ فيزجره، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرّوا الطير على أمكنتها لا تطيروها ولا تزجروها. وقال بعضهم: قوله أقرّوا الطير على مكناتها فيه كالدلالة على كراهة صيد الطير باللّيل. انتهى.

وقال في النهاية: المكنات في الأصل بيض الضّباب، واحدها مكنة بكسر الكاف وقد تفتح، يقال: مكنت الضبّة وأمكنت، قال أبو عبيد: جائز في الكلام أن يستعار مكن الضّباب فيجعل للطير، كما قيل مشافر الجيش (٣)، وإنّما المشافر للإبل. وقيل: المكنات بمعنى الأمكنة، يقال: الناس على مكناتهم وسكناتهم أي على أمكنتهم ومساكنهم، ومعناه أن الرجل في الجاهلية كان إذا أراد حاجة أتى طيرًا ساقطًا أو في وكره فنفّره، فإن طار ذات اليمين مضى لحاجته، وإن طار ذات الشمال رجع، فنهوا عن ذلك، أي لا تزجروها وأقرّوها على مواضعها التي جعل الله لها، فإنّها لا تضرّ ولا تنفع. وقيل: المَكِنَة التّمكّن كالطّلِبَة والتّبعَة من التطلّب والتّتبّع، يقال: إنّ فلانًا لذو مكنة من السلطان أي ذو تمكّن، يعني أقرّوها على كل مكنة ترونها عليها ودعوا التطيّر بها. وقال الزمخشري: يروى مُكُناتها بضمّتين جمع مُكُن، ومُكُن جمع مكان، كصُعُدات في صُعُد وحُمُرات في حُمُر.


(١) في معالم السنن: "أبو زناد".
(٢) غير موجود في ب.
(٣) في النهاية: "الحبش".

<<  <  ج: ص:  >  >>