(من باع الخمر فليشقّص الخنازير) قال الخطابي: معناه فليستحلّ أكلها، والتشقيص يكون من وجهين؛ أحدهما: أن يذبحها بالمشقص وهو نصل عريض، والآخر: أن يجعلها أشقاصًا وأعضاء بعد ذبحها كما تفصل (١) أجزاء الشاة إذا أرادوا إصلاحها للأكل، ومعنى الكلام إنّما هو توكيد التّحريم والتغليظ فيه، يقول: من استحلّ بيع الخمر فليستحلّ أكل الخنزير فإنّهما في الحرمة والإثم سواء، أي: إذا كنت لا تستحل أكل لحم الخنزير فلا تستحلّ ثمن الخمر.
وقال في النهاية: وهذا لفظ أمر معناه النهي، تقديره: من باع الخمر فليكن للخنازير قصّابًا.
(لمّا نزلت الآيات الأواخر من سورة البقرة خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأهنّ علينا وقال: حرّمت التجارة في الخمر) قال القاضي عياض: يحتمل أن يكون هذا متّصلًا بعد تحريم الخمر ومنها فهم أو أوحي إليه بمنع بيع الخمر بظاهر الحديث، لأنّ سورة المائدة التي فيها تحريم الخمر من آخر ما نزلت من القرآن، وآية الرّبا آخر ما نزل، ويحتمل أن يكون هذا بعد بيان النبي - صلى الله عليه وسلم - تحريم الخمر، فلمّا نزلت آية الرّبا وقد اشتملت على تحريم ما عدا البيع الصّحيح، أكّد تحريم ذلك وأعلم أن التجارة في الخمر من جملة ذلك، كما كرّر تحريمه والإعلام بذلك عام الفتح تأكيدًا.
قلت: قد وقفت في بعض طرق الحديث على ما يزيل الإشكال،