للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وقوله: "يحدّث نفسه" فيه إشارة إلى أن ذلك الحديث ممّا يكتسب لإضافته إليه. قال القاضي عياض: وقال بعضهم: هذا الذي يكون من غير قصد يرجى أن تقبل معه الصلاة، وتكون دون صلاة من لم يحدّث نفسه بشيء، لأنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إنّما ضمن الغفران لمراعي ذلك، لأنّه قَلَّ من تسلم صلاته من حديث النّفس، وإنّما جعلت له هذه المرتبة لمجاهدة نفسه من خطرات الشيطان ونفيها عنه، ومحافظته عليها حتّى لم يشتغل عنها طرفة عين، وسلم (١) من الشيطان باجتهاده وتفريغه قلبه. هذا كلام القاضي والصّواب ما قدّمته. انتهى كلام النووي.

وقال القرطبي: "قوله لا يحدّث فيهما نفسه، أي حديثًا مكتسبًا له بحديث يتمكّن من دفعه، فأمّا ما لا يكون مكتسبًا للإنسان فلا يتعلّق عليه ثواب ولا عقاب. وقال الشيخ وليّ الدّين العراقي: العموم في حديث النفس مختصّ بالخواطر المتعلّقة بالدّنيا، وكذلك الخواطر المتعلّقة بالآخرة التي لا تعلّق لها بالصلاة، كالأثر المرويّ عن عمر بن الخطاب أنّه قال: إنّي أجهّز الجيش وأنا في الصلاة. فهذه قربة إلَّا أنّها أجنبية عن الصّلاة، ولذلك قال القاضي حسين من أصحابنا إن (٢) كراهة التفكر في الصلاة يتناول التفكير في مسألة فقهية، أمّا الخواطر الأخرويّة التي لها تعلّق بالصّلاة، كالتفكير في معاني المتلوّ من القرآن ونحو ذلك، فليست داخلة تحت هذا العموم. وروى ابن المبارك في الزّهد حديث: "من توضّأ فأسبغ الوضوء وصلّى ركعتين لم يحدث فيهما نفسه بشيء من الدّنيا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه من رواية صلة بن أشيم مرسلًا، وروى الطّبراني في الأوسط من حديث عثمان بلفظ: "لا يحدّث نفسه فيهما إلّا بخير".

(غفر الله له ما تقدّم من ذنبه) زاد البزّار في مسنده وأبو بكر المروزي في مسند عثمان "وما تأخّر" وسند هذه الزيادة حسن، والمراد الصغائر دون الكبائر، خصّه بذلك العلماء. قال ابن دقيق العيد: وربّما أشير إلى أنّه متّفق عليه.


(١) في ب: "يسلم".
(٢) في ب: "إنّما".

<<  <  ج: ص:  >  >>