للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُصَنِّفُ هَذَا بِقَوْلِهِ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا رُجُوعٌ عَنْ أَنَّهُ) أَيْ مَفْهُومَ الشَّرْطِ (مَدْلُولُ اللَّفْظِ إلَى إضَافَتِهِ إلَى انْتِفَاءِ السَّبَبِ وَهُوَ) أَيْ وَالْقَوْلُ بِانْتِفَاءِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ هُوَ (قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ) أَيْ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ (يَبْقَى عَلَى عَدَمِهِ الْأَصْلِيُّ فِي التَّحْقِيقِ وَالْأَقْرَبُ لَهُمْ) أَيْ لِمُثْبِتِيهِ فِي الِاسْتِدْلَالِ (إضَافَتُهُ) أَيْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ (إلَى شَرْطِيَّةِ اللَّفْظِ الْمُفَادَةِ لِلْأَدَاةِ) بِنَاءً (عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ مَا يَنْتَفِي الْجَزَاءُ بِانْتِفَائِهِ فَيَكُونُ) انْتِفَاءُ الْجَزَاءِ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ (مَدْلُولًا) لَفْظِيًّا حِينَئِذٍ (لِلْأَدَاةِ مَنَعَ كَوْنَ الشَّرْطِ سِوَى مَا جُعِلَ سَبَبًا لِلْجَزَاءِ) أَيْ مَنَعَ كَوْنَهُ غَيْرَ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ أَدَاةٌ دَالَّةٌ عَلَى سَبَبِيَّةِ الْأَوَّلِ وَمُسَبَّبِيَّةِ الثَّانِي ذِهْنًا أَوْ خَارِجًا سَوَاءٌ كَانَ عِلَّةً لِلْجَزَاءِ كَإِنْ كَانَتْ الشَّمْسُ طَالِعَةً فَالنَّهَارُ مَوْجُودٌ، أَوْ مَعْلُولًا كَإِنْ كَانَ النَّهَارُ مَوْجُودًا فَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا كَإِنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ.

(وَالِانْتِفَاءُ) أَيْ انْتِفَاءُ الْجَزَاءِ (لِلِانْتِفَاءِ) أَيْ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ (لَيْسَ مِنْ مَفْهُومِهِ) أَيْ الشَّرْطِ (بَلْ) انْتِفَاءُ الْجَزَاءِ (لَازِمٌ لِتَحَقُّقِهِ) أَيْ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ قَدْ يَخْتَلِفُ عَنْهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٣] {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: ٢٠] فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (وَيَجِيءُ الْأَوَّلُ) وَهُوَ أَنَّ انْتِفَاءَ الْجَزَاءِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ لِعَدَمِ دَلِيلِ ثُبُوتِهِ (وَيَتَّحِدُ) قَوْلُ مُثْبِتِيهِ (بِقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ) إنَّ عَدَمَ الْمَشْرُوطِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ هُوَ الْعَدَمُ الْأَصْلِيُّ كَمَا فِيمَا قَبْلَ التَّعْلِيقِ هَذَا، وَفِي شَرْحِ الْبَزْدَوِيِّ مُشِيرًا إلَى أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ يُوجِبُ عَدَمَ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلَا يُوجِبُهُ عِنْدَنَا بَلْ عَدَمُ الْحُكْمِ مُبْقًى عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ حِينَئِذٍ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ قَالَ: إنْ لَمْ تَدْخُلِي الدَّارَ فَأَنْتِ غَيْرُ طَالِقٍ فَدَخَلَتْ لَمْ تَطْلُقْ عِنْدَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَائِلٌ بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ بِالطَّلَاقِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمَفْهُومِ وَبِمِثْلِهِ لَا تَزُولُ حُقُوقُ الْعِبَادِ لِاحْتِيَاجِهِمْ إلَيْهَا بِخِلَافِ حُقُوقِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَالِكٌ لِنَوَاصِي الْعِبَادِ مُطَاعٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ تَجِبُ طَاعَتُهُ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ فَجَازَ إثْبَاتُ حُقُوقِهِ بِمِثْلِهِ.

وَلِذَا لَوْ قَالَ لِزَيْدٍ: لَا تُعْتِقْ عَبْدِي الْأَسْوَدَ لَا يَكُونُ أَمْرًا بِإِعْتَاقِ عَبِيدِهِ الْبِيضِ وَالشُّقْرِ وَنَحْوِهِمَا وَمَعَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْوَصْفِ عِنْدَهُ يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَائِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَفَرَّعَ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَيْدٍ أَعْتِقْ عَبِيدِي الْبِيضَ ثُمَّ قَالَ أَعْتِقْ عَبِيدِي السُّودَ قَبْلَ إعْتَاقِهِ أَنْ يَنْعَزِلَ عَنْ وَكَالَتِهِ الْأُولَى وَإِنْ قِيلَ بِعَدَمِ الْعَزْلِ فَلَهُ وَجْهٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ أَقْوَى مِنْ الْمَفْهُومِ، وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَتَى عُلِّقَ بِأَمْرٍ مُسَاوٍ لَهُ كَانَ عِلَّةً أَوْ لَمْ يَكُنْ كَزِنَا الْمُحْصَنِ مَعَ الرَّجْمِ أَوْ كَالرَّجْمِ مَعَ إحْصَانِ الزَّانِي أَوْ بِالْإِبْدَالِ كَجَوَازِ التَّيَمُّمِ مَعَ فَقْدِ الْمَاءِ فَإِنَّ الْمُتَعَلِّقَاتِ فِيهَا دَائِرَةٌ مَعَ الْمُعَلَّقِ بِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا بِالِاتِّفَاقِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْرِيرِ مَوْضِعِ الْخِلَافِ فَإِذَنْ الْوَاجِبُ أَنْ يَقُولَ الْحُكْمُ مَتَى عُلِّقَ بِأَمْرٍ ابْتِدَاءً بِصِلَةِ الشَّرْطِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْأَمْرُ مُسَاوِيًا لَهُ وَلَا شَرْطًا عَقْلِيًّا كَالْعِلْمِ لِلْإِرَادَةِ وَلَا يَكُونُ الْمُعَلَّقُ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَائِهِ وَلَا يَنْعَقِدُ الْمُعَلَّقُ حَالَ كَوْنِهِ مُعَلَّقًا عِلَّةً مُجَوِّزَةً لِلْحُكْمِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَدُلُّ نَفْيُهُ عَلَى نَفْيِهِ وَيَنْعَقِدُ عِلَّةً مُجَوِّزَةً.

(وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّ النَّفْيَ) أَيْ نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِ الْمَشْرُوطِ (حُكْمٌ شَرْعِيٌّ عِنْدَهُ) أَيْ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ مِنْ مَدْلُولِ الدَّلِيلِ اللَّفْظِيِّ الْمَذْكُورِ (وَعَدَمٌ أَصْلِيٌّ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ لِعَدَمِ تَعَرُّضِ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ إلَيْهِ لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بِالْإِثْبَاتِ (فَلَا يَخُصُّ {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤] بِمَفْهُومِ {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ} [النساء: ٢٥] الْآيَةَ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ الِاتِّصَالُ كَقَوْلِهِ وَلَا يَنْسَخُ عَلَى قَوْلِنَا الْمُتَأَخِّرِ نَاسِخٌ خِلَافًا لَهُ) أَيْ فَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذِهِ الْفَائِدَةِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ عِنْدَنَا عُمُومُ وقَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤] مَخْصُوصًا بِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٢٥] وَإِنْ تَنَزَّلْنَا إلَى أَنَّ اتِّصَالَ الْمُخَصَّصِ بِالْمُخَصِّصِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي التَّخْصِيصِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَلَا مَنْسُوخًا بِهِ عَلَى قَوْلِنَا فِي الْمُخَصَّصِ

<<  <  ج: ص:  >  >>