للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُتَرَاخِي أَنَّهُ نَاسِخٌ لِمَا تَقَدَّمَهُ فِي الْقَدْرِ الْمُعَارِضِ لَهُ فِي مُقْتَضَاهُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى طَوْلِ الْحُرَّةِ عَدَمٌ أَصْلِيٌّ وَحِلُّ نِكَاحِ مَنْ عَدَا الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ النِّسَاءِ الْمُتَنَاوِلِ لِلْأَمَةِ حَالَةَ الْقُدْرَةِ عَلَى طَوْلِ الْحُرَّةِ حُكْمٌ ثُبُوتِيٌّ شَرْعِيٌّ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَدَمَ الْأَصْلِيَّ لَا يَصْلُحُ مُخَصِّصًا وَلَا نَاسِخًا فَيَجُوزُ عِنْدَنَا نِكَاحُ الْأَمَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ عَمَلًا بِالْعُمُومِ الْمَذْكُورِ، وَأَنَّهُ يَكُونُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عُمُومُ الْآيَةِ الْأُولَى مَخْصُوصًا بِمَفْهُومِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ كَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ بِطَرِيقِ الْمَنْطُوقِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى طَوْلِ الْحُرَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْمُؤْمِنَاتِ لِلتَّشْرِيفِ لَا لِلشَّرْطِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: ٤٩] الْآيَةَ فَإِنَّ الْمُسْلِمَةَ وَالْكِتَابِيَّةَ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ سَوَاءٌ (وَمَا قِيلَ مِنْ بِنَاءِ الْخِلَافِ) فِي أَنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ وَهُوَ الِانْتِفَاءُ عِنْدَ الِانْتِفَاءِ هَلْ هُوَ مِنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ أَمْ لَا أَنَّهُ كَمَا زَعَمَهُ صَاحِبُ الْبَدِيعِ عَزْوًا إلَى فَخْرِ الْإِسْلَامِ بِنَاءً (عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ مَانِعٌ مِنْ انْعِقَادِ السَّبَبِ) مُوجِبًا لِلْحُكْمِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ عِنْدَنَا لَا مَانِعٌ مِنْ الْحُكْمِ فَقَطْ (فَعَدَمُ الْحُكْمِ) عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ ثَابِتٌ (بِالْأَصْلِ عِنْدَنَا) وَهُوَ عَدَمُ سَبَبِهِ لَا بِعَدَمِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْحُكْمِ لَمَّا كَانَ مُتَحَقِّقًا قَبْلَ التَّعْلِيقِ.

وَكَانَ الشَّرْطُ مَانِعًا مِنْ انْعِقَادِ سَبَبِهِ اسْتَمَرَّ الْعَدَمُ الْأَصْلِيُّ عَلَى حَالِهِ لِعَدَمِ مَا يُزِيلُهُ إلَى زَمَانِ وُجُودِ سَبَبِهِ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ فَإِنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنْجَزِ عِنْدَ وُجُودِهِ، فَيَكُونُ عَدَمُ الْحُكْمِ مُضَافًا إلَى عَدَمِ سَبَبِهِ لَا إلَى عَدَمِ الشَّرْطِ (وَمِنْ الْحُكْمِ عِنْدَهُ) أَيْ وَمَانِعٌ مِنْ الْحُكْمِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ (بِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ) أَيْ الْحُكْمِ لَا مَانِعَ مِنْ انْعِقَادِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ مِثْلُ أَنْتِ طَالِقٌ سَبَبٌ شَرْعِيٌّ لِلطَّلَاقِ، وَلِهَذَا يَقَعُ بِهِ لَوْلَا التَّعْلِيقُ، وَإِذَا كَانَ سَبَبًا شَرْعِيًّا لَهُ وَجَبَ تَرَتُّبُهُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي السَّبَبِ فَإِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ بِوَاسِطَةِ التَّعْلِيقِ ظَهَرَ أَنَّ تَأْثِيرَ تَعْلِيقِهِ فِي تَأْخِيرِ حُكْمِهِ إلَى زَمَانِ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا فِي مَنْعِ انْعِقَادِهِ بَعْدَ وُجُودِهِ حِسًّا كَالتَّأْجِيلِ فَإِنَّهُ مُؤَخَّرٌ لِلْمُطَالَبَةِ بِالثَّمَنِ إلَى حِينِ الْأَجَلِ لَا مَانِعٌ سَبَبَهُ عَنْ الِانْعِقَادِ.

وَهُوَ وُجُوبُ الدَّيْنِ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَدَّاهُ قَبْلَ الْأَجَلِ صَحَّ وَكَشَرْطِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّ تَأْثِيرَهُ فِي تَأْخِيرِ حُكْمِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمِلْكُ إلَى زَمَانِ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا فِي مَنْعِ انْعِقَادِ الْبَيْعِ سَبَبًا لَهُ بِالِاتِّفَاقِ وَكَالْإِضَافَةِ فِي الطَّلَاقِ الْمُضَافِ نَحْوِ هِيَ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَإِنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ الْحُكْمِ دُونَ انْعِقَادِ السَّبَبِ أَيْضًا فَيَكُونُ عَدَمُ الْحُكْمِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مُضَافًا إلَى عَدَمِ الشَّرْطِ لَا إلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي هُوَ عَدَمُ السَّبَبِ وَهُوَ نَظِيرُ التَّعْلِيقِ الْحِسِّيِّ فَإِنَّ تَعْلِيقَ الْقِنْدِيلِ بِحَبَلٍ مِنْ السَّقْفِ يُوجِبُ وُجُودَهُ فِي الْهَوَاءِ وَيَمْنَعُ وُصُولَهُ إلَى الْأَرْضِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي ثِقَلِهِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ السُّقُوطِ بِالْإِعْدَامِ، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي حُكْمِهِ، وَهُوَ السُّقُوطُ فَكَذَا التَّعْلِيقُ إذَا دَخَلَ عَلَى عِلَّةٍ شَرْعِيَّةٍ لَا يَمْنَعُ مِنْ انْعِقَادِهَا، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ مِنْ حُكْمِهَا لَا غَيْرُ حَتَّى إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا حُكْمُهَا كَالْقِنْدِيلِ إذَا انْقَطَعَ الْحَبْلُ انْجَذَبَ إلَى أَسْفَلَ وَعَمِلَ الثِّقَلُ عَمَلَهُ وَهَذَا لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ وُجِدَ حِسًّا فَلَا يُعْقَلُ إعْدَامُهُ بِخِلَافِ الْحُكْمِ فَإِنَّ ثُبُوتَهُ عُرِفَ بِالشَّرْعِ فَجَازَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْمَانِعِ الْحُكْمِيِّ، وَهُوَ الشَّرْطُ وَسَيَجِيءُ وَجْهُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا مُفَصَّلًا.

(وَانْبَنَى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى هَذَا الْمَبْنَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي فِي الْفُرُوعِ الْآتِيَةِ فَانْبَنَى عَلَى أَصْلِنَا (صِحَّةُ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالْمِلْكِ) أَيْ بِمِلْكِ النِّكَاحِ فِي الطَّلَاقِ وَبِمِلْكِ الرَّقَبَةِ فِي الْعَتَاقِ (عِنْدَنَا) حَتَّى لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلِأَمَةِ الْغَيْرِ إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَتَزَوَّجَ الْأَجْنَبِيَّةَ وَمَلَكَ الْأَمَةَ طَلُقَتْ وَعَتَقَتْ (وَعَدَمُهُ عِنْدَهُ) أَيْ وَانْبَنَى عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ عَدَمُ اعْتِبَارُ هَذَا التَّعْلِيقِ فِيهِمَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ حَتَّى لَا تَطْلُقَ بِمُجَرَّدِ تَزَوُّجِهِ بِهَا وَلَا تُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ مِلْكِهِ إيَّاهَا وَإِيضَاحُ الْوَجْهِ فِيهِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَلِأَنَّ الْفَرْضَ عِنْدَهُ انْعِقَادُ السَّبَبِ فِي الْحَالِ حَالَةَ التَّعْلِيقِ مَعَ تَأْخِيرِ الْحُكْمِ فَيُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمِلْكِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ مَحَلِّهِ، وَالْمِلْكُ غَيْرُ قَائِمٍ حَالَتَئِذٍ فَلَا انْعِقَادَ لِلسَّبَبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>