للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حِينَئِذٍ فَكَانَ هَذَا لَغْوًا كَقَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَلِأَمَةِ الْغَيْرِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ حُرَّةٌ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْمِلْكِ،.

وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا فَلِأَنَّ الْفَرْضَ عِنْدَنَا عَدَمُ انْعِقَادِ السَّبَبِ بِالتَّعْلِيقِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ الْمِلْكُ الَّذِي هُوَ الْمَحَلُّ بَلْ كَانَ قَبْلَ الشَّرْطِ يَمِينًا، وَمَحَلُّ الِالْتِزَامِ بِالْيَمِينِ الذِّمَّةُ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ ثُمَّ الْمِلْكُ إنَّمَا يُشْتَرَطُ لِإِيجَابِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ حَالَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا قَبْلَهُ، وَالْمِلْكُ حَالَ وُجُودِ الشَّرْطِ هُنَا مُتَيَقَّنٌ، فَإِذَا صَحَّ التَّعْلِيقُ فِيمَا هُوَ حَاصِلٌ حَالَةَ التَّعْلِيقِ غَيْرُ ثَابِتٍ يَقِينًا حَالَ وُجُودِ الشَّرْطِ بَلْ ظَاهِرٌ بِالِاسْتِصْحَابِ فَفِيمَا هُوَ ثَابِتٌ يَقِينًا حَالَةَ وُجُودِ الشَّرْطِ أَوْلَى، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (بَلْ الصِّحَّةُ) أَيْ صِحَّةُ تَعْلِيقِهِمَا بِالْمِلْكِ (أَوْلَى مِنْهَا) أَيْ مِنْ صِحَّةِ تَعْلِيقِهِمَا (حَالَةَ قِيَامِهِ) أَيْ الْمِلْكِ بِأَمْرٍ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ (لِلتَّيَقُّنِ بِوُجُودِ الْمَحَلِّ عِنْدَ الشَّرْطِ) فِي هَذَا دُونَ غَيْرِهِ (وَكَذَا) انْبَنَى عَلَى هَذَا الْمَبْنَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ الِاخْتِلَافُ فِي حُكْمِ هَذَا الْفَرْعِ، وَهُوَ (تَعْجِيلُ الْمَنْذُورِ الْمُعَلَّقِ) بِشَرْطٍ قَبْلَ الشَّرْطِ كَإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ فَقُلْنَا (يَمْتَنِعُ عِنْدَنَا) التَّعْجِيلُ بِهِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ لِلشَّافِعِيِّ حَتَّى لَوْ تَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ عَنْ نَذْرِهِ قَبْلَ شِفَائِهِ ثُمَّ شُفِيَ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهِ حِينَئِذٍ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ عَلَى أَصْلِنَا يَكُونُ أَدَاءً قَبْلَ وُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ عَلَى أَصْلِهِ يَكُونُ أَدَاءً بَعْدَ وُجُوبِ السَّبَبِ وَهُوَ جَائِزٌ.

(تَنْبِيهٌ) ثُمَّ هَكَذَا وَقَعَ ذِكْرُ هَذَا الْخِلَافِ فِي حُكْمِ هَذَا الْفَرْعِ لِلْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَيَّدَهُ غَيْرُ مَا شَارِحٍ مِنْ جِهَتِهِ بِالنَّذْرِ الْمَالِيِّ كَمِثَالِنَا لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ فِي الْبَدَنِيِّ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ فِيهِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا وَقَعَ لَهُ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ وَيُذْكَرُ وَجْهُهُ ثَمَّةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - وَهُوَ شَاهِدٌ بِصِحَّتِهِ هُنَا فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ خِلَافًا لَهُ فِي الْمَالِيِّ ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ مَا قِيلَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (غَلَطٌ؛ لِأَنَّ مَا يَدَّعِيهِ الشَّافِعِيُّ سَبَبًا يَنْتَفِي الْحُكْمُ بِانْتِفَائِهِ فِي الْخِلَافِيَّةِ) الَّتِي هِيَ هَلْ يَدُلُّ انْتِفَاءُ الشَّرْطِ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ دَلَالَةً لَفْظِيَّةً أَمْ لَا قُلْنَا: لَا وَقَالَ: نَعَمْ إنَّمَا هُوَ (مَعْنَى لَفْظِ الشَّرْطِ) وَهُوَ مَا يَنْتَفِي الْجَزَاءُ بِانْتِفَائِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ مَا هُوَ الْأَقْرَبُ لَهُمْ (لَا الْجَزَاءُ وَالْخِلَافُ الْمُشَارُ إلَيْهِ) فِي أَنَّ الشَّرْطَ مَانِعٌ مِنْ انْعِقَادِ السَّبَبِ كَقَوْلِنَا أَوْ مِنْ الْحُكْمِ فَقَطْ كَقَوْلِهِ (هُوَ أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي يَثْبُتُ سَبَبِيَّتُهُ شَرْعًا لِحُكْمٍ إذَا جُعِلَ جَزَاءً لِشَرْطٍ) أَيْ لَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَدَاةٌ دَالَّةٌ عَلَى سَبَبِيَّةِ الْأَوَّلِ وَمُسَبَّبِيَّةِ الثَّانِي (هَلْ يَسْلُبُهُ) أَيْ الْجَعْلَ الْمَذْكُورَ اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ (سَبَبِيَّتَهُ لِذَلِكَ الْحُكْمِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ) .

فَقُلْنَا: نَعَمْ وَقَالَ: لَا فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ وَهَذَا (كَأَنْتِ طَالِقٌ وَحُرَّةٌ جُعِلَ) كُلٌّ مِنْهُمَا شَرْعًا (سَبَبًا لِزَوَالِ الْمِلْكِ) أَيْ مِلْكِ النِّكَاحِ وَالرَّقَبَةِ وَلَوْلَا السِّيَاقُ وَالسِّبَاقُ لَفَسَّرْنَاهُ بِمِلْكِ النِّكَاحِ فَقَطْ جَاعِلِينَ أَنْتِ طَالِقٌ سَبَبَ زَوَالِهِ بِطَرِيقِ الصَّرَاحَةِ، وَأَنْتِ حُرَّةٌ سَبَبَ زَوَالِهِ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ (فَإِذَا دَخَلَ الشَّرْطُ) عَلَيْهِمَا كَإِنْ دَخَلْت (مَنَعَ) دُخُولَهُ عَلَيْهِمَا (الْحُكْمَ) وَهُوَ زَوَالُ الْمِلْكِ لَا غَيْرُ مِنْ الْوُجُودِ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ (عِنْدَهُ) أَيْ الشَّافِعِيِّ لَا انْعِقَادُ السَّبَبِ مِنْ السَّبَبِيَّةِ حَالَتَئِذٍ (وَعِنْدَنَا مَنَعَ سَبَبِيَّتَهُ) أَيْ كَوْنَهُ سَبَبًا حِينَئِذٍ إلَى حِينِ وُجُودِ الشَّرْطِ قَصْدًا، وَحُكْمُهُ إلَى وَقْتَئِذٍ أَيْضًا تَبَعًا (فَتَفَرَّعَتْ الْخِلَافِيَّاتُ) الْمَذْكُورَةُ عَلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ كَمَا بَيَّنَّا وَجْهَ تَفْرِيعِهَا عَلَيْهِمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَظَهَرَ أَنَّ مَحَلَّ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ الْمُعَلَّقِ مِمَّا اُعْتُبِرَ سَبَبًا لِحُكْمٍ شَرْعًا كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا بَلْ هُوَ نَفْسُ الْحُكْمِ الْخَبَرِيِّ كَ {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} [الجمعة: ٩] {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: ٣] أَوْ غَيْرِهِ كَإِذَا جَاءَ فَأَكْرِمْهُ يُفِيدُ نَفْيَ إكْرَامِهِ إنْ لَمْ يَجِئْ فَكَيْفَ يُبْنَى مَا هُوَ أَوْسَعُ دَائِرَةً عَلَى مَا هُوَ بَعْضُ صُوَرِهِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُبْتَنَى عَلَى مَا ذَكَرَ مَا إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ نَفْسَ الْحُكْمِ اهـ.

وَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ مَحَلَّ كَلَامِ أَصْحَابِنَا مِنْ أَنَّ عَدَمَ الشَّرْطِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الْمَشْرُوطِ لَفْظًا بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى عَدَمِهِ الْأَصْلِيِّ مَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ الْمُعَلَّقِ مِمَّا اُعْتُبِرَ سَبَبًا لِحُكْمٍ شَرْعًا كَإِنْ دَخَلْت فَأَنْتِ حُرَّةٌ أَمْ لَا، وَكَأَنَّهُ لَمْ يُفْصِحْ عَنْ هَذَا كَمَا أَفْصَحَ فِي مَحَلِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>