للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَلَامِ الشَّافِعِيِّ اكْتِفَاءً بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُقَابِلُهُ، وَالْمَدْلُولُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَعَمَّ مِنْ الدَّلِيلِ، وَأَيْضًا هَذَا أَمْرٌ لُغَوِيٌّ فَلَا يَتَوَقَّفُ اعْتِبَارُهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ عَلَى تَصَرُّفٍ لَفْظِيٍّ مِنْ حَيْثُ يُوجِبُ أَمْرًا شَرْعِيًّا هُوَ كَذَا أَمْ لَا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ مَا يُفِيدُ كَوْنَ أَحَدِهِمَا مَبْنَى الْآخَرِ فَلْيُرَاجَعْ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ يَظْهَرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ يُوجِبُ الْعَدَمَ عَنْ عَدَمِهِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَوْ يَبْقَى الْحُكْمُ عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ قَبْلَهُ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا مَبْنِيٌّ كَمَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ اعْتَبَرَ الشُّرُوطَ بِدُونِ الشَّرْطِ، وَالْمَشْرُوطُ يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَى جَمِيعِ التَّقَادِيرِ، وَالتَّعْلِيقُ قَيَّدَهُ بِتَقْدِيرِ مُعَيَّنٍ، أَوْ عَدَمِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَيَكُونُ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْعَدَمِ.

وَأَصْحَابُنَا اعْتَبَرُوا الْمَشْرُوطَ مَعَ الشَّرْطِ فَهُمَا كَلَامٌ وَاحِدٌ يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَى تَقْدِيرٍ وَسَاكِتٌ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَزِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ انْعَقَدَ سَبَبًا عِنْدَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّقًا، وَإِنَّمَا التَّعْلِيقُ أَخَّرَ حُكْمَهُ إلَى زَمَانِ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ سَبَبًا عِنْدَنَا إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنَّمَا يَتَفَرَّعَانِ) أَيْ هَذَانِ الْقَوْلَانِ (مَعًا عَلَى الْخِلَافِ فِي اعْتِبَارِ الْجَزَاءِ مِنْ التَّرْكِيبِ الشَّرْطِيِّ مُفِيدًا حُكْمَهُ) أَيْ حَالَ كَوْنِ الْجَزَاءِ مُفِيدًا حُكْمَ نَفْسِهِ (عَلَى عُمُومِ التَّقَادِيرِ) الْمُمْكِنَةِ لَهُ مِنْ زَمَانٍ وَمَكَانٍ وَغَيْرِهِمَا (خَصَّصَهُ) أَيْ عُمُومَ التَّقَارِيرِ (الشَّرْطُ بِإِخْرَاجِ مَا سِوَى مَا تَضَمَّنَهُ) حُكْمُ الْجَزَاءِ مِنْ عُمُومِ التَّقَادِيرِ الثَّابِتِ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ (عَنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ) الْكَائِنِ لَهُ حَالَ كَوْنِهِ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ الشَّرْطِ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ الشَّرْطَ قَصْرُ عُمُومِ التَّقَادِيرِ الَّتِي لِحُكْمِ الْجَزَاءِ عَلَى بَعْضِهَا، وَهُوَ مَا قُيِّدَ مِنْهَا بِالشَّرْطِ فَصَارَ التَّرْكِيبُ الشَّرْطِيُّ دَالًّا عَلَى حُكْمِ الْجَزَاءِ الْمُقَيَّدِ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الشَّرْطِ وَعَلَى عَدَمِ حُكْمِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا سِوَاهُ (فَيَكُونُ النَّفْيُ) أَيْ نَفْيُ حُكْمِ الْجَزَاءِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ (مُضَافًا إلَيْهِ) أَيْ الشَّرْطِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الشَّرْطَ (دَلِيلُ التَّخْصِيصِ) فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ الثُّبُوتِ وَالِانْتِفَاءِ حُكْمًا شَرْعِيًّا ثَابِتًا بِاللَّفْظِ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا، وَيَكُونُ الشَّرْطُ مَانِعًا مِنْ حُكْمِ الْجَزَاءِ إلَى حِينِ الشَّرْطِ لَا مِنْ انْعِقَادِهِ سَبَبًا.

وَهَذَا ظَاهِرُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ السَّكَّاكِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ، لَا أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْجَزَاءُ وَحْدَهُ، وَالشَّرْطُ قَيْدٌ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الظَّرْفِ وَالْحَالِ حَتَّى إنَّ الْجَزَاءَ إنْ كَانَ خَبَرًا فَالشَّرْطِيَّةُ خَبَرِيَّةٌ وَإِنْ كَانَ إنْشَاءً فَإِنْشَائِيَّةٌ أَوْ غَيْرَ مُفِيدٍ حُكْمًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَضْلًا عَنْ الْحُكْمِ عَلَى عُمُومِ التَّقَادِيرِ بَلْ إنَّمَا مَجْمُوعُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ كَلَامٌ وَاحِدٌ دَالٌّ عَلَى رَبْطِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ، وَثُبُوتُهُ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى الِانْتِفَاءِ عِنْدَ الِانْتِفَاءِ، وَكُلٌّ مِنْ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ جُزْءٌ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِمَعْنَى هَذَا وَبِمَنْ ذَهَبَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَأَهْلُ النَّظَرِ يَمْنَعُونَ إفَادَتَهُ شَيْئًا) أَيْ إفَادَةَ جَزَاءِ الشَّرْطِ فَائِدَةً تَامَّةً (حَالَ وُقُوعِهِ) جَزَاءً لِلشَّرْطِ بِدُونِهِ (بَلْ هُوَ) أَيْ الْجَزَاءُ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ وُقُوعِهِ جَزَاءً لِلشَّرْطِ فِي كَوْنِهِ غَيْرَ مُفِيدٍ فَائِدَةً تَامَّةً بِدُونِهِ (كَزَايِ زَيْدٍ) مِنْ زَيْدٍ حَالَ كَوْنِهِ (جَزَاءَ الْكَلَامِ الْمُفِيدِ) وَإِنْ كَانَ الزَّايُ مِنْ زَيْدٍ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى أَصْلًا بِخِلَافِ الْجَزَاءِ (فَضْلًا عَنْ إيجَابِهِ عَلَى عُمُومِ التَّقَادِيرِ) أَيْ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِحُكْمِهِ عَلَى عُمُومِ التَّقَادِيرِ حَتَّى يَكُونَ تَخْصِيصًا وَقَصْرًا لَهُ عَلَى بَعْضِهَا

(وَالْمَجْمُوعُ) أَيْ بَلْ مَجْمُوعُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ عِنْدَهُمْ (يُفِيدُ حُكْمًا مُقَيَّدًا بِالشَّرْطِ فَإِنَّمَا دَلَالَتُهُ) أَيْ الْمَجْمُوعِ (عَلَى الْوُجُودِ) أَيْ وُجُودِ الْحُكْمِ (عِنْدَ وُجُودِهِ) أَيْ الشَّرْطِ لَيْسَ إلَّا (فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ) الشَّرْطُ (بَقِيَ مَا قَيَّدَ وُجُودَهُ) مِنْ الْحُكْمِ (بِوُجُودِهِ) أَيْ الشَّرْطِ مُسْتَمِرًّا (عَلَى عَدَمِهِ الْأَصْلِيِّ) الْكَائِنِ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ لِعَدَمِ دَلِيلِ ثُبُوتِهِ لَا أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مُسْتَفَادٌ مِنْ النَّظْمِ فَمَالَ الشَّافِعِيُّ إلَى الْأَوَّلِ، وَأَصْحَابُنَا إلَى الثَّانِي، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ: لَوْ كَانَ مَعْنَى: إنْ ضَرَبَنِي زَيْدٌ ضَرَبْته أَضْرِبْهُ فِي وَقْتِ ضَرْبِهِ إيَّايَ لَمْ يَكُنْ صَادِقًا إلَّا إذَا تَحَقَّقَ الضَّرْبُ مَعَ ذَلِكَ الْقَيْدِ فَإِذَا فُرِضَ انْتِفَاءُ الْقَيْدِ أَعْنِي وَقْتَ ضَرْبِهِ إيَّاكَ لَمْ يَكُنْ الضَّرْبُ الْمُقَيَّدُ بِهِ وَاقِعًا فَيَكُونُ الْخَبَرُ الدَّالُّ عَلَى وُقُوعِهِ كَاذِبًا سَوَاءٌ وُجِدَ مِنْك ضَرْبٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ وَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>