للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَاطِلٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَضْرِبْك وَلَمْ تَضْرِبْهُ، وَكُنْت بِحَيْثُ إنْ ضَرَبَك ضَرَبْته عُدَّ كَلَامُك هَذَا صَادِقًا عُرْفًا وَلُغَةً وَإِذَا وَقَعَ الْجَزَاءُ إنْشَاءً كَإِنْ جَاءَك زَيْدٌ فَأَكْرِمْهُ كَانَ مُؤَوَّلًا أَيْ إنْ جَاءَك فَأَنْتَ مَأْمُورٌ بِإِكْرَامِهِ أَوْ يَسْتَحِقُّ هُوَ أَنْ تُؤْمَرَ بِإِكْرَامِهِ عَلَى قِيَاسِ تَأْوِيلِهِ إذَا وَقَعَ خَبَرًا لِلْمُبْتَدَأِ يَظْهَرُ ذَلِكَ كُلُّهُ لِمَنْ تَأَمَّلَ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ، وَهُوَ شَهِيدٌ.

ثُمَّ تَقَدَّمَ مَنْعُ كَوْنِ الِانْتِفَاءِ لِلِانْتِفَاءِ، وَوَجْهُ كَوْنِهِ مُؤَخَّرًا لِلْحُكْمِ فَقَطْ وَوُعِدَ رَدُّهُ وَسَيَحْصُلُ الْوَفَاءُ بِهِ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى، ثُمَّ لَمَّا نَظَّمَ كَثِيرٌ كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ جَوَازَ تَعْجِيلِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِالْمَالِ مِنْ عِتْقِ رَقَبَةٍ أَوْ إطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ أَوْ كِسْوَتِهِمْ قَبْلَ الْحِنْثِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَعَ إبْطَالِهِ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالْمِلْكِ وَتَجْوِيزِهِ تَعْجِيلَ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ تَفْرِيعًا عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ السَّبَبَ عِنْدَهُ يَنْعَقِدُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَأَثَرُ الشَّرْطِ فِي تَأْخِيرِ حُكْمِهِ إلَى زَمَانِ وُجُودِهِ لَا غَيْرُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِالظَّاهِرِ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ ثَمَّةَ وَذَكَرَهُ هُنَا مَقْرُونًا بِاعْتِذَارٍ لَهُمْ فِيهِ ثُمَّ بِالتَّعَقُّبِ لَهُ فَقَالَ (وَأَمَّا تَفْرِيعُ تَعْجِيلِ الْكَفَّارَةِ الْمَالِيَّةِ) أَيْ جَوَازِ تَعْجِيلِهَا لِلْيَمِينِ (قَبْلَ الْحِنْثِ) عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَصْلِهِ كَمَا فَعَلُوهُ (فَقُبِلَ) لِأَنَّهُ مَبْنَاهُ (بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَنْ حَلَفَ فَلْيُكَفِّرْ إنْ حَنِثَ (وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ) فَإِنَّ سَائِرَ التَّكَالِيفِ الْمَنُوطَةِ بِأَسْبَابِهَا يَتَأَتَّى فِيهَا مِثْلُ هَذَا وَلَا قَائِلَ بِأَنَّهَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَالْوَجْهُ عَدَمُ ذِكْرِهِ مِنْ أَفْرَادِهِ ثُمَّ إنَّمَا قَيَّدَهَا بِالْمَالِيَّةِ لِمُوَافَقَةٍ جَدِيدَةٍ عَلَى أَنَّ الْبَدَنِيَّةَ، وَهِيَ الصَّوْمُ قَبْلَ الْحِنْثِ لَا يَجُوزُ، وَفَرَّقَ لَهُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ تَأْثِيرَ الشَّرْطِ فِي تَأْخِيرِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَالْحَقُّ الْمَالِيُّ لِلَّهِ - تَعَالَى - يَنْفَصِلُ وُجُوبُ أَدَائِهِ عَنْ نَفْسِ وُجُوبِهِ لِتَغَايُرِ الْمَالِ وَالْفِعْلِ فَجَازَ اتِّصَافُ الْمَالِ بِنَفْسِ الْوُجُوبِ، وَلَا يَثْبُتُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ إلَّا بَعْدَ الْحِنْثِ كَمَا فِي الْحَقِّ الْمَالِيِّ لِلْعَبْدِ بِخِلَافِ الْحَقِّ الْبَدَنِيِّ لِلَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَصِلُ وُجُوبُ أَدَائِهِ عَنْ نَفْسِ وُجُوبِهِ بَلْ نَفْسُ وُجُوبِهِ وُجُوبُ أَدَائِهِ فَلَوْ تَأَخَّرَ وُجُوبُ أَدَائِهِ هُنَا انْتَفَى الْوُجُوبُ فَلَا يَجُوزُ الْأَدَاءُ؛ لِأَنَّهُ أَدَاءٌ قَبْلَ الْوُجُوبِ حِينَئِذٍ.

وَمِنْ ثَمَّةَ جَازَ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ، وَلَمْ يَجُزْ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ (وَالْأَوْجَهُ خِلَافُ قَوْلِهِ) أَيْ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ قَوْلُنَا (لِعَقْلِيَّةِ سَبَبِيَّةِ الْحِنْثِ) لِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ (لَا الْيَمِينِ) أَيْ دُونَ عَقْلِيَّةِ سَبَبِيَّةِ الْيَمِينِ لَهَا؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي التَّحْقِيقِ لِسَتْرِ مَا وَقَعَ مِنْ الْإِخْلَالِ بِتَوْفِيرِ مَا يَجِبُ لِاسْمِ اللَّهِ - تَعَالَى وَتَلَافِيهِ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ عَنْ الْحِنْثِ لَا عَنْ الْيَمِينِ مِنْ حَيْثُ هِيَ، وَأَيْضًا أَقَلُّ مَا فِي السَّبَبِ أَنْ يَكُونَ مُفْضِيًا إلَى الْمُسَبَّبِ، وَالْيَمِينُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ عَدَمِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَكَيْفَ تَكُونُ مُفْضِيَةً إلَيْهِ (وَإِنْ أُضِيفَتْ) الْكَفَّارَةُ (إلَيْهِ) أَيْ الْحَلِفِ (فِي النَّصِّ) أَيْ قَوْلِهِ ذَلِكَ: كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ فَإِنَّهَا مِنْ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى شَرْطِهِ تَوَسُّعًا (كَإِضَافَةِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ) أَيْ الْإِضَافَةِ الَّتِي فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ (عِنْدَنَا) فَإِنَّ عِنْدَنَا الْفِطْرَ شَرْطُهَا وَسَبَبُهَا رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْيَمِينَ سَبَبُهَا فَالْحِنْثُ شَرْطُ وُجُوبِهَا لِلْقَطْعِ بِأَنَّهَا لَا تَجِبُ قَبْلَهُ وَإِلَّا وَجَبَتْ بِمُجَرَّدِ الْيَمِينِ، وَالْمَشْرُوطُ لَا يُوجَدُ قَبْلَ شُرُوطِهِ فَلَا تَقَعُ وَاجِبَةً قَبْلَهُ فَلَا يَسْقُطُ الْوُجُوبُ قَبْلَ ثُبُوتِهِ، وَلَا عِنْدَ ثُبُوتِهِ بِفِعْلٍ قَبْلَهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا.

وَمَا وَقَعَ مِنْ الشَّرْعِ بِخِلَافِهِ كَالزَّكَاةِ يَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِهِ، وَلَا يُلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَالِيِّ وَالْبَدَنِيِّ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الْوَاجِبَ لِلَّهِ - تَعَالَى - عَلَى الْعِبَادِ هُوَ الْعِبَادَةُ وَهُوَ فِعْلٌ يُبَاشِرُهُ الْمَرْءُ بِخِلَافِ هَوَى النَّفْسِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ - تَعَالَى بِإِذْنِهِ، وَالْمَالُ آلَةٌ يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ كَمَنَافِعِ الْبَدَنِ فَيَكُونُ الْمَالِيُّ كَالْبَدَنِيِّ فِي أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْوُجُوبِ الْأَدَاءُ، وَأَنَّ تَعْلِيقَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ بِالشَّرْطِ يَمْنَعُ تَمَامَ السَّبَبِيَّةِ فِيهِمَا جَمِيعًا عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ بَعْدَ تَمَامِ السَّبَبِ قَدْ يَنْفَصِلُ عَنْ نَفْسِ الْوُجُوبِ فِي الْبَدَنِيِّ أَيْضًا فَإِنَّ الْمُسَافِرَ إذَا صَامَ فِي رَمَضَانَ جَازَ اتِّفَاقًا، وَإِنْ تَأَخَّرَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ إلَى مَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ نَقُولُ: (وَوَجْهُهُ) أَيْ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ مَانِعٌ مِنْ انْعِقَادِ سَبَبِيَّةِ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ لِحُكْمِهِ (أَوَّلًا أَنَّ السَّبَبَ) لِلْحُكْمِ هُوَ (الْمُفْضِي إلَى الْحُكْمِ) وَالطَّرِيقُ الْمُؤَدِّي إلَيْهِ (وَالتَّعْلِيقُ) أَيْ وَتَعْلِيقُ الْجَزَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>