للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَفْرُوضِ سَبَبِيَّتُهُ فِي نَفْسِهِ لِحُكْمٍ بِشَرْطٍ (مَانِعٍ مِنْ الْإِفْضَاءِ) أَيْ إفْضَائِهِ إلَى حُكْمِهِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ (لِمَنْعِهِ) أَيْ التَّعْلِيقِ (مِنْ الْمَحَلِّ) أَيْ وُصُولِ الْمُعَلَّقِ إلَى مَحَلِّهِ وَهُوَ وُقُوعُ حُكْمِهِ فِي الْحَالِ.

(وَالْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّةُ لَا تَصِيرُ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْمَحَلِّ أَسْبَابًا) لِعَدَمِ الْإِفْضَاءِ كَمَا لَا تَكُونُ قَبْلَ تَمَامِهَا أَسْبَابًا كَمُجَرَّدِ إيجَابِ الْبَيْعِ فِيمَا يَمْلِكُهُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِمِلْكِ الْغَيْرِ ذَلِكَ الْمَبِيعَ (فَضَعَّفَ قَوْلَهُ) أَيْ الشَّافِعِيِّ (السَّبَبُ) لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَنْتِ طَالِقٌ وَالشَّرْطُ) الَّذِي هُوَ إنْ دَخَلْت (لَمْ يَعْدَمْهُ) أَيْ كَوْنُهُ سَبَبًا (فَإِنَّمَا أَخَّرَ) الشَّرْطَ (الْحُكْمُ) أَيْ حُكْمُ السَّبَبِ لِأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ أَنَّ سَبَبَ الْحُكْمِ مَا يَكُونُ مُفْضِيًا إلَيْهِ، وَالشَّرْطُ هُنَا قَدْ حَالَ بَيْنَهُمَا فَلَمْ يَكُنْ سَبَبًا (وَأُورِدَ) عَلَيْنَا إذَا كَانَ مَثَلًا إنْ دَخَلْت مَانِعًا مِنْ وُصُولِ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى مَحَلِّهِ مَا لَمْ يُوجَدْ الدُّخُولُ (فَيَجِبُ أَنْ يَلْغُوَ) أَنْتِ طَالِقٌ فِيهِ فَلَا يَقَعُ وَإِنْ دَخَلَتْ (كَالْأَجْنَبِيَّةِ) أَيْ كَمَا لَوْ قَالَهُ مُنَجَّزًا لِأَجْنَبِيَّةٍ بِجَامِعِ عَدَمِ الْوُصُولِ إلَى الْمَحَلِّ فِيهِمَا (وَأُجِيبَ لَوْ لَمْ يَرْجُ) الْوُصُولَ إلَى مَحَلٍّ بِأَنْ عَلَّقَ بِشَرْطٍ لَا يُرْجَى الْوُقُوفُ عَلَيْهِ (لَغَا كَطَالِقٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ) فَإِنَّ مَشِيئَتَهُ - تَعَالَى - فِيمَا لَا يُعْلَمُ وُقُوعُهُ لَا عِلْمَ لِلْعِبَادِ بِتَعَلُّقِهَا بِهِ فَنَحْنُ قَائِلُونَ بِالْمُوجِبِ فِي هَذَا (وَغَيْرِهِ) وَهُوَ مَا كَانَ مَرْجُوَّ الْوُصُولِ إلَى مَحَلِّهِ (بِعَرْضِيَّةِ السَّبَبِيَّةِ) لِحُكْمِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِوُجُودِ شَرْطِهِ (فَلَا يَلْغُو تَصْحِيحًا) لَهُ بِسَبَبِ هَذِهِ الصَّلَاحِيَّةِ كَشَطْرِ الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ بِعُرْضَةِ أَنْ يَصِيرَ سَبَبًا بِوُجُودِ الشَّطْرِ الْآخَرِ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَلْغُ مَا دَامَ ذَلِكَ مَرْجُوًّا لَهُ (وَثَانِيًا) أَيْ وَوَجْهُ قَوْلِنَا ثَانِيًا: أَنَّ السَّبَبَ إذَا عُلِّقَ بِالشَّرْطِ (تَوَقَّفَ عَلَى الشَّرْطِ) ضَرُورَةً (فَصَارَ) السَّبَبُ الْمُعَلَّقُ بِهِ (كَجُزْءِ سَبَبٍ) لِمَا مَرَّ، وَجُزْءُ السَّبَبِ لَا يَكُونُ سَبَبًا.

وَمِنْ هُنَا زَعَمَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ التَّعْلِيقَ صَيَّرَ الْمَجْمُوعَ مِنْ الشَّرْطِ وَمَا كَانَ سَبَبًا مُسْتَقِلًّا قَبْلَهُ عِنْدَنَا وَرَدَّهُ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَا عِنْدَهُ وُجُودُ الشَّيْءِ وَلَا يَكُونُ مُؤَثِّرًا، وَالسَّبَبُ مَا بِهِ الشَّيْءُ، وَيَكُونُ مُؤَثِّرًا فَلَا يَصِيرُ الشَّرْطُ جُزْءًا لِلسَّبَبِ لِتَنَافِي مُوجِبِهِمَا وَهَذَا (بِخِلَافِ) مَا أَلْحَقَ الشَّافِعِيُّ التَّعْلِيقَ بِهِ مِنْ (الْبَيْعِ الْمُؤَجَّلِ) فِيهِ الثَّمَنُ (وَبِشَرْطِ الْخِيَارِ وَالْمُضَافِ كَطَالِقٍ غَدًا) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا (سَبَبٌ فِي الْحَالِ) أَمَّا فِي الْبَيْعِ الْمُؤَجَّلِ فِيهِ الثَّمَنُ (لِأَنَّ الْأَجَلَ دُخُولُهُ عَلَى الثَّمَنِ) لِيُفِيدَ تَأْخِيرَ الْمُطَالَبَةِ بِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ (لَا) عَلَى (الْبَيْعِ) فَلَا مَعْنَى لِمَنْعِهِ مِنْ الِانْعِقَادِ، وَلَا لِحُكْمِهِ الَّذِي هُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي الْمَبِيعِ، وَثُبُوتُ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ عَنْ الثُّبُوتِ؛ إذْ لَا وَجْهَ لِتَأْثِيرِ الشَّيْءِ فِيمَا لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي كَمْيَّةِ مُدَّتِهِ فَمُسَلَّمٌ أَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ دَاخِلٌ عَلَى الْحُكْمِ فَقَطْ لَكِنْ لِأَمْرٍ اقْتَضَى ذَلِكَ لَمْ يُوجَدْ هُنَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَالْخِيَارُ) أَيْ شَرْعِيَّتُهُ نَصًّا فِي الْبَيْعِ ثَابِتٌ (بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِدَفْعِ الْغَبْنِ) أَيْ النَّقْصِ الْمُتَوَهَّمِ فِيهِ بِاسْتِيفَاءِ النَّظَرِ وَالتَّرَوِّي فِي اخْتِيَارِ مَا هُوَ الْأَصْلَحُ فِي زَمَانِهِ كَمَا هُوَ الْمَعْنَى الْمَعْقُولُ مِنْ شَرْعِيَّتِهِ إجْمَاعًا، وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِي أَقْصَى مُدَّتِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى الْخِلَافِ الْقِيَاسُ (لِأَنَّ إثْبَاتَ مِلْكِ الْمَالِ) الَّذِي هُوَ الْبَيْعُ (لَا يَحْتَمِلُ الْخَطَرَ) أَيْ التَّعْلِيقَ بِمَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَأَنْ لَا يَكُونَ (لِصَيْرُورَتِهِ قِمَارًا) وَهُوَ حَرَامٌ ثُمَّ حَيْثُ شُرِعَ وَكَانَ الْمَعْنَى الْمَعْقُولُ مِنْ شَرْعِيَّتِهِ التَّمَكُّنَ مِنْ دَفْعِ الْغَبْنِ الْوَاقِعِ فِيهِ (فَاكْتَفَى بِاعْتِبَارِهِ) أَيْ الشَّرْطِ (فِي الْحُكْمِ) أَيْ حُكْمِ الْبَيْعِ، وَهُوَ لُزُومُهُ ابْتِدَاءً، وَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الْبَيْعُ أَيْضًا فَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ سَبَبًا وَيَتَرَاخَى الْحُكْمُ إلَى سُقُوطِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ التَّمَكُّنِ مِنْ الرَّدِّ بِدُونِ رِضَا صَاحِبِهِ بِهَذَا الْقَدْرِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ مَتَى أَمْكَنَ دَفْعُهَا بِأَيْسَرِ الْأَمْرَيْنِ لَا يُصَارُ إلَى أَعْلَاهُمَا.

وَالشَّافِعِيُّ مُوَافِقُنَا عَلَى هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْأَصْلُ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ أَنَّهُ فَاسِدٌ وَلَكِنْ لَمَّا شَرَطَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُصَرَّاةِ خِيَارَ ثَلَاثٍ فِي الْبَيْعِ، وَرُوِيَ «أَنَّهُ جَعَلَ لِحِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ خِيَارَ ثَلَاثٍ فِيمَا ابْتَاعَ» انْتَهَيْنَا إلَى مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ.

هَذَا التَّحْقِيقُ أَحَدُ الْجَوَابَيْنِ عَنْ هَذَا (وَالْحَقُّ أَنَّهُ) أَيْ انْعِقَادَ الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ سَبَبًا فِي الْحَالِ مَعَ تَأَخُّرِ الْحُكْمِ إلَى سُقُوطِهِ (مُقْتَضَى اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ بِعَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>