للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وسمي بذلك لأنه يستر من كان فيه لكثرة أشجاره، وهذه المادة "الجيم والنون" تدل على الستر، ومنها: "الجَنَان" وهو القلب؛ لأنه مستتر، و"الأجنة" وهي الأحمال في بطون الأمهات؛ لأنها مستترة، و"الجن"؛ لأنهم مستترون، و"الجُنة" ما يستتر به المقاتل؛ لأنها تستره، فهذه المادة كلها تدور على هذا المعنى، فالجنات: هي البساتين الكثيرة الأشجار، ولكنه لا يحسن أن نفسرها في هذا الموضع بهذا المعنى؛ لأنها إذا فسرت بهذا المعنى فكأنما حصر مدلولها بما يعرفه الناس، وسوف يقلل من أهمية الجنة الموعود بها.

ولهذا ينبغي أن تفسر بأنها الدار التي أعدها الله لأوليائه، وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فإذا فسرت بهذا التفسير بقيت هيبتها في النفوس، لكن لو فسرت بالمعنى الأول؛ لتوهم الإنسان وقال: هذا كبستان فلان ابن فلان، كثير الأشجار، وكثير النخيل، وما أشبه ذلك.

والجنة أعظم مما في الدنيا بأضعاف مضاعفة، لا يعلمها إلا الله، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء" (١)، وإلا فالحقائق تختلف، كما قال الله تعالى: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف: ٧١]، وقال تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٧)} [السجدة: ١٧]، وفي الحديث القدسي: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا


(١) رواه البيهقي في البعث والنشور، باب ما جاء في طعام أهل الجنة وشرابهم وفاكهتهم (٣٢١)؛ ورواه أبو نعيم الأصبهاني في باب ذكر اتفاق ما فيها من النعيم (١١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>