للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر" (١).

وقوله: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} الجريان معروف، وهو سير الماء على الأرض، وقوله: {مِنْ تَحْتِهَا} أي: من تحت هذه الجنات، فهي أشجار وارفة الظل، والأنهار تجري من تحتها، ولو تخيل الإنسان هذا النعيم، لوجده أكبر نعيم، وهذه الأنهار قد فسرها الله عزّ وجل في سورة القتال بقوله: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} [محمد: ١٥]، فليس هو عسل نحل، إنما عسل مصفى، خلقه الله هكذا، ولبن ليس كلبن البقر أو الغنم، بل خلقه الله عزّ وجل أنهار، وكذلك الماء لا يأسن أبدًا مهما طالت مدته، بخلاف ماء الأرض فإنه يأسن وتتغير رائحته بطول المكث، والخمر لذة، {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (٤٧)} [الصافات: ٤٧].

وقوله: {مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} قال العلماء: إنها تجري من تحتها، ولا تحتاج إلى بناء يمنع تسرب الماء، ولا إلى حفر أخدود، بل تسير هكذا حيثما أردت، قال ابن القيم في النونية:

أنهارها في غير أخدود جرت ... سبحان ممسكها عن الفيضان

فهي أنهار لا تحتاج إلى حفر سواقي، ولا إلى إقامة أخدود، بل تجري هكذا على الأرض، وقال أهل العلم أيضًا: إنها تجري حيثما أراد الإنسان، من دون أن يحتاج إلى مواد البناء ونحوها، بل يريدها بقلبه أو يأمرها بلسانه .. اللهم اجعلنا من أهلها.


(١) رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، حديث رقم (٣٠٧٢)؛ ومسلم أول، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، حديث رقم (٢٨٢٤) عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>