قال الله عزّ وجل:{وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ}[التوبة: ٥٩] ولم يقل: ثم رسوله؛ لأن هذا الإيتاء إيتاء شرعي، إيتاء للزكاة والأموال الشرعية، أما الأمور الكونية فلأنها من خصائص الربوبية، فلا بد أن يكون فعل العبد بعد فعل الله، فقول:"ما شاء الله وشئت" لا يجوز؛ لأنه جعلت مشيئة الرسول - صلى الله عليه وسلم - كمشيئة الله، وليس كذلك، لكن طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - كطاعة الله، قال الله:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}[النساء: ٨٠] فجعل الله طاعة الرسول طاعة له.
وأما حديث علي بن حاتم في صحيح الإمام مسلم قال: أن رجلًا خطب عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله فقد غوى"(١)، فأحسن ما قيل في الجواب عن ذلك: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أثنى عليه شرًا، لكون المقام لا يقتضي هذا، فالمقام يقتضي أن يفصل ويبسط؛ لأنه ربما تخاطب قومًا بمثل هذا الخطاب فيظن أنه لا يكون غي إلا إذا كان الأمر من الله ورسوله، فلكل مقام مقال، فالرسول عليه الصلاة والسلام إنما أثنى عليه شرًا؛ لكونه لم يستعمل في الخطبة السياق المناسب، لا لأن هذا ممنوع؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه قال مثل هذا.
وما ذكره بعض العلماء حيث قال: إنما أنكر عليه لأنه قال: "من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما" وسكت، ثم قال:
(١) رواه مسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، حديث رقم (٨٧٠).