{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ}، {التَّوْبَةُ}: مبتدأ مسبوق بأداة الحصر وهي {إِنَّمَا}، وخبر المبتدأ قوله:{عَلَى اللَّهِ}، أو قوله:{لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} فيحتمل هذا وهذا.
وقوله:{لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ}{السُّوءَ} يعني: العمل السيئ؛ كالمنكرات، وفعل المحظورات، أو ترك الواجبات، ولكنه قيدها بقوله:{بِجَهَالَةٍ} والمراد بالجهالة هنا: السفاهة، وليس الجهل؛ لأن فاعل السوء بجهل معذور، ولا ذنب عليه؛ لقول الله تعالى:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البقرة: ٢٨٦]، ولكن المراد بالجهالة هنا السفاهة، ومنه قول الشاعر:
ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
وقوله تعالى:{ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} أي: ثم إذا فعلوا السوء بجهالة تابوا إلى الله من قريب، والقريب هنا ما كان قبل الموت، فإذا تابوا قبل الموت تاب الله عليهم، وسيأتي في الفوائد أنه تجب التوبة فورًا.
وقوله:{يَتُوبُونَ} بمعنى: يرجعون إلى الله، وذلك بترك ما قاموا به من السوء، أو فعل ما تركوه من الواجب.
وقوله تعالى:{فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ}، هذه الجملة باعتبار ما قبلها تأكيد؛ لأن هذا الحكم مفهوم من قوله:{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ}، ولكنه أكد ما التزم به عزّ وجل على نفسه بقوله:{فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ}.
وأشار إليهم بـ "أولئك" مع أنهم باعتبار الحديث عنهم في محل القرب، والقريب يشار إليه بـ "هؤلاء"، لكنه هنا قال: أولئك، فأشار إليهم بإشارة البعيد؛ إشارة إلى علو منزلتهم بالتوبة.