للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ندم؛ فتوبته: إما فاسدة؛ لعدم تمام شروطها، أو ناقصة جدًا.

وقد أورد بعض العلماء على هذا الشرط إشكالًا، وهو أن الندم انفعال، والإنسان يفعل ولا ينفعل فكيف يندم؟

والجواب عن ذلك سهل جدًا: فإن الندم أن يشعر بنفسه أنه أساء فيحزن، ويتمنى أن لم يكن فعل ذلك، هذا هو الندم المراد به، وهذا شيء ممكن، ولهذا أرشد النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن الإنفعال قد يملكه الإنسان، فقال: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" (١)، مع أن الغضب انفعال، إذا وجد سببه ثار الإنسان، لكن مع ذلك يمكن أن يملك نفسه، فكذلك أيضًا بعث الإنفعال ممكن.

الشرط الثالث: الإقلاع عن الذنب، فإن لم يقلع فتوبته كاذبة، وهو إلى الإستهزاء بالله أقرب منه إلى تعظيم الله، إذ كيف يقول: إنه تائب من شرب الخمر، وهو مدمن عليه؟ ! وكيف يقول: إنه تائب من الربا وهو مصر عليه؟ ! فإن هذا استهزاء بالله عزّ وجل، ولو أنك أتيت ملكًا من الملوك فقلت: أنا تائب عن سبّك، ولن أقول فيك شيئًا، لكن إذا وجد غفلة من الملك، ولو بتكليم من إلى جنبه، يقول - ولو بالإشارة - إن هذا ملك لا خير فيه، فهذا ليس توبة أبدًا، فكيف بملك الملوك عزّ وجل، كيف تتوب إلى الله من ذنب وأنت مصر عليه؟ ! إن هذا لا يمكن.


(١) رواه البخاري، كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب، حديث رقم (٥٧٦٣)؛ ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب من فضل من يملك نفسه عند الغضب، حديث رقم (٢٦٠٩) عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>