للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من مغربها" (١)، فإذا تاب الإنسان عند طلوع الشمس من مغربها، أو عند حلول الأجل؛ لم تقبل منه، فإن فرعون لما أدركه الغرق آمن، وقال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} [يونس: ٩٠]؛ أي: الله عزّ وجل، لكنه لم يصرح باسم الله، وإنما قال: {الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ}، مبالغة في التذلل، واتباعه لبني إسرائيل بعد ما كان مستعليًا ومتكبرًا عليهم، فالآن صار تابعًا لهم، قال: {وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: ٩٠] أي: من المسلمين لله، فقيل له: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١)} [يونس: ٩١].

مسألة: اختلف العلماء رحمهم الله هل يشترط لقبول التوبة أن ينزع عن جميع المعاصي أم لا يشترط؟

فمنهم من قال: يشترط أن ينزع عن جميع المعاصي، وأن من تاب من الزنا وهو يرابي، فإن توبته من الزنا لا تقبل؛ لأن التوبة الحقيقية هي التي تملأ قلب العبد خشية لله وتعظيمًا له، والذي يتوب من ذنب وهو مصر على الآخر، لا يتحقق ذلك في حقه.

ومنهم من فصل وقال: إن كان الذنب الذي أصر عليه من جنس الذنب الذي تاب منه، فإنه لا تقبل توبته، وإن كان من غير جنسه، فإنها تقبل، مثال ذلك: لو تاب من النظر إلى النساء - النظر المحرم -، ولكنه يلمس النساء لمسًا محرمًا، فهنا الجنس واحد، فلا تقبل توبته من النظر المحرم؛ لأنه يمارس جنسه،


(١) رواه أبو داود، كتاب الجهاد، باب في الهجرة هل انقطعت؟ حديث رقم (٢٤٧٩)؛ وأحمد (٤/ ٩٩) عن معاوية بن أبي سفيان.

<<  <  ج: ص:  >  >>