للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالنفس إذًا متعلقة بهذا الجنس من الذنوب، ولم تقلع عنه، أما إذا كان من غير جنسه فإنها تقبل، فلو تاب من الربا وهو يزني، أو يشرب الخمر، فتوبته من الربا صحيحة مقبولة، ولو تاب من شرب الخمر وهو مصر على الزنا، فتوبته منه مقبولة.

والصحيح أن التوبة من الذنب تقبل مع الإصرار على غيره، لكنه لا يستحق التائب منه وصف التائبين الوصف المطلق، وإنما هو تائب توبة مقيدة بهذا الذنب المعين، فوصفه بالتوبة من هذا الذنب وصف مقيد؛ لأن هذا هو العدل، والله عزّ وجل أمر بالعدل والقسط، وهو سبحانه أهل العدل والقسط، وهذا القول هو الصحيح.

وقد قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين عندما تكلم عن هذه المسألة، قال: "وبعد: فإن هذه المسألة لها غور بعيد - أي: أنها ليست بالأمر الهين الذي تلقى أحكامها على اللسان-؛ لأن لها تعلقًا بالقلوب، والقلوب حساسة كالكرة على سطح الماء، تهتز ولا يمسكها شيء"، فالمسألة في الحقيقة لها غور عظيم، وأصل التوبة: تعظيم الله عزّ وجل، وإجلاله، والخشية منه، والخوف منه، فإذا تحقق للإنسان هذا؛ هانت عليه التوبة، وأما مع عدم ذلك فإن التوبة عليه صعبة المنال.

وهنا إشكال: وهو أنه إذا كانت التوبة لا تنفع عند حضور الأجل، فما الجواب عن قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعمه أبي طالب حينما حضره الموت: "قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله" (١)؟


(١) رواه البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب قصة أبي طالب، حديث رقم (٣٦٧١)؛ ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت ما لم يشرع في النزع، حديث رقم (٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>