خف المهر كان أكثر لبركة النكاح، وأحسن عاقبة، وأضرب لذلك مثلًا: إذا كان المهر قليلًا، ولم يوفق بين الزوج وزوجته، فإنه من السهل عليه أن يطلقها، سواء بفداء أو بغير فداء، فإن طلب الفداء فإنما يطلب شيئًا يسيرًا، وإن لم يطلب الفداء، فارقها وانتهى منها، لكن لو أنه أنفق عليها شيئًا كثيرًا، ثم ذهب يستدين من فلان وفلان، فركبه الدين الذي هو ذل في النهار، وهم في الليل، فماذا ستكون قيمة هذه المرأة عنده وقد كانت سببًا لهذا كله؟
سوف يكرهها، ويقول: هذه التي أدت إلى لحوق الدين علي، ثم إذا لم يرد الله التوفيق بينهما، فلن يسهل عليه أن يطلقها إلا بأن ترد إليه مهره، وهي قد أنفقت المهر، وذهب يمينًا وشمالًا، فيصعب عليها جدًا أن تدرك ذلك، فلهذا لا شك أن فوائد تقليل المهر كثيرة، ولهذا جاء في الحديث:"أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة"(١).
٣ - تحريم أخذ الزوج شيئًا من المهر ولو قليلًا، لقوله:{فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا}، وكلمة:{شَيْئًا} نكرة في سياق النهي، فتعم القليل والكثير، ولكن لو رضيت الزوجة بأن يأخذ من مهرها شيئًا فالحق لها، إذا كانت مكلفة رشيدة، لقوله تعالى:{فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}[البقرة: ٢٣٧].
٤ - الإنكار الشديد على من أخذ شيئًا من مهر امرأته بغير رضاها، لقوله: {أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (٢٠) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ}.
(١) هذا اللفظ لأحمد (٦/ ٨٢، ١٤٥)، وهو عند الطبراني في "الأوسط" (٩/ ١٧٣) بلفظ: "أخف النساء صداقًا أعظمهن بركة"، وهو عند النسائي في "الكبرى" (٥/ ٤٠٢)؛ والحاكم (٢/ ١٩٤).