وأعم ما يكون من الإنتفاعات، ولأنه هو الذي ينتفع به البدن انتفاعًا مباشرًا، فإن اللباس ينتفع به لكن من الخارج، ولهذا فإن الآيات كلها تعبر في الغالب بالأكل .. {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا}[النساء: ١٠] .. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً}[آل عمران: ١٣٠]، وما أشبه ذلك.
وقوله:{إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا}، الضمير في قوله:{إِنَّهُ} يعود على الفعل المفهوم مما سبق المكون من شيئين: تبديل الخبيث بالطيب، وأكل الأموال إلى أموالنا، وقوله:{إِنَّهُ} أي: هذا الفعل.
وقوله:{كَانَ} أي: كان عند الله {حُوبًا} أي: إثمًا أو ذنبًا، {كَبِيرًا} الكبير ضد الصغير؛ لأن الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر، فهذا من الذنب الكبير.
وقد قال بعض العلماء: إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ}[البقرة: ٢٢٠].
وهذا خطأ عظيم؛ لأن قوله:{وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} ليس هو الأكل الذي نهى الله عنه هنا حتى نقول: إن بين الآيتين تعارضًا، فالله تعالى يقول:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} أي: لا تخلطوها لأجل أن تأكلوها، أما إذا خلطها للإصلاح أو لمصلحة، فإن هذا لا بأس به، لكن بعض العلماء - عفا الله عنا وعنهم - إذا عجزوا عن الجمع بين النصين قالوا: إن هذا منسوخ، وأقول: إذا عجزوا؛ لأنه قد لا يكون بين النصين تعارض، فقد يكون كل نص محمولًا على معنى، وهذه مسألة خطيرة جدًا؛ لأن معنى النسخ إنكار المنسوخ، وعدم جعله حكمًا شرعيًا، فالمسألة خطيرة، ولهذا لا يجوز ادعاء النسخ مع إمكان الجمع أبدًا.