وقوله:{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} أي: لا إثم عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة بزيادة أو نقص، فإذا سمى المهر وفرضه، وعرفت الزوجة نصيبها، فلا جناح عليه ولا عليها فيما تراضيا به من بعد الفريضة بزيادة أو نقص، فقد تعفو المرأة عن شيء مما فرض لها، أو عن كل ما فرض لها، وقد تطلب الزيادة ويعطيها الزوج، فكل هذا لا بأس به؛ لأن الله قال:{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ}.
وقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} هذه الجملة مؤكدة بـ: {إِنَّ} و: {كَانَ}؛ لأن "كان" مسلوبة الزمان هنا، فتفيد الثبوت والتحقق، وعلم الله عزّ وجل واسع كامل لم يسبق بجهل، ولا يلحقه نسيان، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، لا في الحاضر، ولا في الماضي، ولا في المستقبل.
وقوله:{حَكِيمًا} أي: ذا حكمة، والحكمة: هي وضع الشيء في موضعه، سواء كانت مما يتعلق بالقدر، أو مما يتعلق بالشرع، فإن أقدار الله ومشروعات الله كلها حكمة، ولكن معنى "حكيم" أوسع من كونه دالًا على الحكمة، بل هو دال على الحكمة والإحكام، ودال على الحكمة والحكم، فمعنى "حكيم" أي: حاكم محكِم، من الإحكام الذي هو الحكمة.
ثم إن حكم الله سبحانه ينقسم إلى قسمين: كوني وشرعي، والحكمة والإحكام حكمة في صورة الشيء، وحكمة في غاية الشيء والمراد منه، وكل ذلك ثابت من قوله:{حَكِيمًا}، وعلى هذا فتكون أربعة أقسام: حكم كوني، وحكم شرعي، وإحكام في صورة الشيء، وإحكام في غاية الشيء.