للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمغفرة هي ستر الذنب والتجاوز عنه، مأخوذة من المغفر وهو ما يوضع على الرأس من الحديد من أجل وقاية الرأس من السهام، ويحصل به ستر ووقاية، فالمغفرة مشتملة على هذين المعنيين: الستر والوقاية من العذاب، فليست سترًا فقط ولا وقاية من العذاب فقط، بل ستر ووقاية.

وأما الرحمة فهي صفة من صفات الله عزّ وجل تقتضي الإحسان إلى الخلق ودفع الضرر عنهم، والله سبحانه سمى نفسه بالرحمن وبالرحيم، ووصف نفسه بأنه ذو الرحمة فقال: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ} [الأنعام: ١٣٣]، وهي صفة مستقلة عن الإرادة وعن الإحسان، فهي عند السلف وأئمة أهل السنة صفة زائدة أو مستقلة عن الإرادة أو الفعل.

وحَرَّف معناها من لا يرى ثبوت الرحمة لله، وقال: إن المراد بالرحمة إرادة الإنعام، أو الإنعام نفسه، وإنما حرفوها إلى هذا المعنى لأنهم يثبتون الإرادة، فقالوا: إرادة الإحسان أو الإحسان نفسه؛ لأن الإحسان منفصل عن الذات، فلا يمتنع عندهم وقوعه من الله عزّ وجل، وهؤلاء هم الأشاعرة، وفي الحقيقة أنهم لو رجعوا إلى أنفسهم لوجدوا أن تفسيرهم الرحمة بهذا يستلزم ثبوت الرحمة؛ لأن إرادة الإحسان لا تكون إلا رحمة لمن استحقها، ومحبة للإحسان، والإحسان نفسه الذي هو المنفصل عن الله لا يكون إلا من آثار الرحمة.

على كل حال: مذهبنا - ولله الحمد - مذهب أهل السنة والجماعة أن كل ما سمى الله به نفسه أو وصف به نفسه فهو ثابت له على وجه الحقيقة، لكن بدون تمثيل، وبدون تكييف.

<<  <  ج: ص:  >  >>