للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} الإرادة هنا شرعية، وليست كونية؛ لأن الله يقدر على العبد أشياء تثقل عليه العبادات بسببها، لكنه شرعًا لا يريد منا أن نشق على أنفسنا، بل إنه لما قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: لأصومن النهار، ولأقومن الليل ما عشت، نهاه الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: "إن لجسدك عليك حقًا، وإن لعينك عليك حقًا، وإن لزوجك عليك حقًا، وإن لزورك عليك حقًا" (١).

وقال عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه أيضًا: "اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا" (٢) فالإرادة إذًا إرادة شرعية.

{يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ}: التخفيف ضد التثقيل، وتخفيفه سبحانه تخفيف في الأوامر وتخفيف في النواهي، أما التخفيف في الأوامر فإن الله سبحانه لما ذكر ما يجب علينا من طهارة الوضوء والغسل والتيمم قال: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: ٦]، وكذلك خفف في النواهي فقال: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: ١١٩] أي: فليس بحرام، وهذا تخفيف على العباد ولله الحمد.


(١) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب حق الجسم في الصوم، وباب صوم الدهر، حديث رقم (١٨٧٤، ١٨٧٥)؛ ومسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به أو فوت به حقًا .. ، حديث رقم (١١٥٩).
(٢) هذا اللفظ عند أبي داود، كتاب الصلاة، باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة، حديث رقم (١٣٦٨)، وهو بمعناه عند البخاري، كتاب الصوم، باب صوم شعبان، حديث رقم (١٨٦٩)؛ ومسلم كتاب، باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره، حديث رقم (٧٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>