اللغة العربية، فإذا أثبت الله لنفسه الرحمة أثبتوا له الرحمة لأن هذا هو الأصل.
ونقول لمن قال إنه لا إجماع: ائت بحرف واحد عن السلف أنهم يفسرون الرحمة بغير ظاهر القرآن، وهذه فائدة مهمة تندفع بها شبهة من شَبَّه ولَبَّس وقال: أين إجماع السلف؟
فنقول: كان القرآن بين أيديهم، ولم يفسروه بخلاف ظاهره، والأصل أنهم فهموه على ظاهره بمقتضى اللسان العربي.
ثم نقول لهم: أنتم تفسرونه بالإرادة فرارًا من مشابهة المخلوق بزعمكم، والمخلوق له إرادة, قال تعالى:{مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ}[آل عمران: ١٥٢] , {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ}[الأنفال: ٦٧] , وفي الحديث:"إنما الأعمال بالنيات"(١)، ولا أحد يشك في أن المخلوق له إرادة.
فإذا قالوا: إرادة المخلوق تليق به وإرادة الخالق تليق به، قلنا لهم: ورحمة الخالق تليق به ورحمة المخلوق تليق به.
وكذلك إذا فسرتم الرحمة بالإنعام الذي هو مخلوق، أو بالنعمة التي هي مخلوقة. قلنا: النعمة لا تكون إلا بإرادة، والإرادة لا تكون إلا برحمة، فمن لم يرحم لم يرد النعمة ولم ينعم، وبهذا تبين بطلان تحريفهم، ونسميه تحريفًا لا تأويلًا على كل تقدير.
(١) رواه البخاري في أول الكتاب، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حديث رقم (١)، وفي كتاب الإيمان, باب النية في الإيمان, حديث رقم (٦٣١١)؛ ومسلم في، كتاب الإمارة، باب قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إنما الأعمال بالنيات)، حديث رقم (١٩٠٧) عن عمر بن الخطاب.