وألذ ما يكون، وأنه قد ذاق طعم الإيمان, حتى يتمنى أنه لا يكون إلا في هذا السرور، ولا يريد لا دنيا ولا آخرة، فلا يرى أحسن ولا أطيب من الساعة التي هو فيها، سواء كان في صلاة، أو في قراءة قرآن، أو في تدبر سيرة النبي عليه الصلاة والسلام.
وأحيانًا تستولي عليه الغفلة، فيصلي بنفس القراءة التي قرأها بالأمس ولكن كأن قلبه حجر ما يلين، والوقت هو الوقت، والمكان هو المكان، والعمل هو العمل.
يصلي الإنسان في آخر الليل مثلًا، ليلة يجد لذة عظيمة في الصلاة، وهو يحس أنه قريب من الله عزّ وجل، وليلة أخرى بالعكس فلا يذوق معنى من المعاني، فالإيمان بالأمس، أشد بكثير من الإيمان اليوم، حتى الصحابة قالوا: يا رسول الله! إذا كنا عندك وسمعنا - يعني: ما يقول - كأننا نرى رأي العين، ولكن إذا ذهبنا وعافسنا الأهل والأولاد نسينا، فقال:"لو كنتم على ما تكونون عليه عندي لصافحتكم الملائكة، ولكن ساعة وساعة"(١).
إذًا: فالإيمان يزيد حسًا بلا شك، ولكن الطاعة لا شك أنها تزيد في الإيمان, بشرط أن تكون مصحوبة بعمل القلب، أما عمل الجوارح إذا لم يكن مصحوبًا بعمل القلب فإنه لا يزيد في الإيمان, وربما ينقص الإيمان والعياذ بالله؛ لأنه يصبح عبثًا، لكن إذا كانت أعمال الجوارح مصحوبة بعمل القلب، من الخوف والرغبة واحتساب الثواب، فإنه بلا شك يزداد قلبه بالطاعة، لهذا يجب النظر في هذه المسألة.
(١) رواه مسلم، كتاب التوبة، باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة والمراقبة وجواز ترك ذلك، حديث رقم (٢٧٥٠) عن حنظلة.