للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النسخ ثابت في الشريعة، لقوله تعالى {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: ١٠٦] , ولقوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [البقرة: ١٨٧] إلى آخرها، وقد كان قبل ذلك حرامًا، ولقوله تعالى: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} [الأنفال: ٦٦] وهذا صريح في النسخ، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور. فزوروها" (١).

وقال بعض العلماء ومنهم أبو مسلم الأصفهاني: لا نسخ في الشريعة، وحمل النسخ على التخصيص، وقال: إن مقتضى الحكم الأول استمراره إلى يوم القيامة، فإذا ألغي فهذا تخصيص في الزمن؛ أي: أنه بعد أن كان شاملًا للزمن كله صار خاصًا بالزمن الذي قبل النسخ.

ولكن هذا تكلف، وما الذي يجعلنا نفر من كلمة نسخ وهي موجودة بلفظها، وموجودة بمعناها في القرآن، وموجودة بمعناها في السنة أيضًا؟ !

وأنكر اليهود النسخ وقالوا: لا يمكن أن ينسخ الله حكمًا بحكم؛ لأنه إن كانت المصلحة في الحكم الثاني فلماذا كان الحكم الأول، وإن كانت المصلحة في الحكم الأول فلماذا كان الحكم الثاني، وإن كان في الأول قد خفيت الحكمة على الله، فإذا يستلزم وصف الله بالجهل، وإذا لم تخف فهذا يستلزم وصف الله بالسفه والعياذ بالله؛ لأنه فعل خلاف الحكمة.


(١) رواه مسلم، كتاب الجنائز، باب استئذان النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه عزّ وجل في زيارة قبر أمه، حديث رقم (٩٧٧) عن بريدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>