لأن الله يقول:{فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ}[النجم: ٣٢]، ثم إن هذا فيه الإدلال على الله والمنة عليه، والله تعالى قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٧)} [الحجرات: ١٧] فإذا كان قوله: أنا مؤمن للإعجاب بالنفس فهذا لا يجوز؛ لأنه تزكية للنفس ومنهي عنه فيكون حرامًا.
الحالة الثانية: إن كان المقصود بذلك مجرد الخبر، بأن يعني بقوله: أنا مؤمن؛ أي: لست بكافر؛ فهذا لا بأس به، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للقوم الذي لقيهم في طريقه إلى الحج:"من القوم؟ " قالوا: "المسلمون"(١) فأقرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك؛ لأنهم يريدون بذلك الخبر، فإذا قال الإنسان: أنا مؤمن يعني: لست بكافر، فلا بأس، ولا يلزم على ذلك اللوازم التي ذكرها من منع قوله: أنا مؤمن، وإذا قرنه بالمشيئة فله ثلاث حالات:
الأولى: أن يكون الحامل على ذلك قصد التردد فهو كفر، كما إذا قيل له: أنت مؤمن؟ فقال: إن شاء الله، مترددًا، فهذا كفر؛ لأنه لا إيمان مع شك، بل لا بد من الجزم.
الثانية: إذا كان الحامل له على ذلك بيان أن إيمانه كان بمشيئة الله لا بحوله ولا بقوته، فهذا لا بأس به؛ لأن الشيء المحقق قد يربط بالمشيئة إشارة إلى أنه واقع بمشيئة الله، ومن ذلك قوله تعالى:{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}[الفتح: ٢٧] أي: لتدخلنه بمشيئته؛ لأن الجملة هنا: خبر مؤكد
(١) رواه مسلم، كتاب الحج، باب صحة حج الصبي وأجر من حج به، حديث رقم (١٣٣٦).