لأنه قد لا يكون عدلًا، وقد يكون مرائيًا منافقًا مخادعًا، وربما يكون عدلًا في دينه ولكن عنده سوء حفظ، فإذا زكيته فيما يتعلق بالخبر كالشهادة مثلًا دون أن تخبره صار ذلك شهادة بما لا تعلم، فلو قال شخص: زك فلانًا، فإنه شهد عندي بشيء، فقد أزكيه من جهة دينه وأعرف أنه رجل مستقيم في الدين، يصلي ويزكي ويصوم، لكن من جهة الحفظ - والمسألة مسألة شهادة خبرة -، فلا بد أن يكون عندي علم بباطن حاله واختبار، فلا تجوز التزكية في مثل الأخبار إلا إذا عرفت أن الرجل حافظ.
٤ - أن الأمر إلى الله عزّ وجل في تزكية الإنسان ورفع التزكية عنه، وتؤخذ من قوله:{بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ}، فالحكم بالتزكية إثباتًا أو نفيًا إلى الله وحده، فهو الذي يزكي من يشاء.
فإن قال قائل: كيف نجمع بين هذا وبين قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (١٠)} [الشمس: ٩، ١٠].
فالجواب: إن كان الفاعل في قوله: {زَكَّاهَا} هو الله فلا إشكال؛ لأن المزكي هو الله في هذا وفي هذا، وإن كان ضمير الفاعل يعود على الإنسان، يعني: قد أفلح من زكى نفسه وقد خاب من دس نفسه، فالجمع أن نسبة التزكية إلى الإنسان هنا نسبة شيء إلى سببه لا إلى حصوله، فالإنسان يفعل الطاعة فيكون زكيًا، فيكون المراد بالتزكية فعل سببها، وعلى هذا فلا إشكال أيضًا.
٥ - أنه يجب على الإنسان أن يلجأ في طلب التزكية إلى الله، لقوله:{بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} فأنت إذا علمت أن الله هو الذي يزكي فاسأل الله، ولهذا كان من الدعاء المأثور: "اللهم