للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[يوسف: ٨٠] يريد بذلك حكمًا قدريًا لا حكمًا شرعيًا؛ لأن الله تعالى لم يمنعه شرعًا من الرجوع إلى أهله، ولكنه يريد بذلك أن يحكم له حكمًا قدريًا.

وأما الحكم الشرعي: فدليله ومثاله قوله تبارك وتعالى في سورة الممتحنة لما ذكر ما ذكر من الأحكام قال: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} [الممتحنة: ١٠] هذا حكم شرعي.

وقد يجتمع القسمان في آية واحدة، مثل قوله تبارك وتعالى: {لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: ٧٠]، ومثل قوله: {أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام: ٦٢]، ومثل قوله: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (٨)} [التين: ٨] فالمهم أن حكم الله عزّ وجل ينقسم إلى كوني قدري، وشرعي ديني، وذكرنا لكل واحد دليله ومثاله، وذكرنا ما يجمع القسمين، وكل ذلك موجود في القرآن.

والحكم الكوني القدري هو الحكم النافذ في العباد، ولا يمكن لأحد أن يعاند فيه أو يمانع فيه.

أما الحكم الشرعي الذي يحكم الله فيه بين العباد، فمن العباد من يقبل ويقوم به، ومن العباد من لا يقبل ولا يقوم به لحكمة وهي أحد المعنيين في قوله: {حَكِيمًا}، فهي مأخوذة من الإحكام، وهو إتقان الشيء، فالشيء المحكم هو الشيء المتقن، وفسرها بعض العلماء بأنها وضع الأشياء في مواضعها، بمعنى: أنك إذا رأيت هذا الشيء قلت: لا يصلح في مكانه إلا هو، ثم هي - أي: الحكمة - حكمة في نفس الشيء، وحكمة في غاية الشيء، بمعنى: أن هذا الشيء في نفسه مطابق للحكمة، والثاني: أن الغاية منه حكمة محمودة، فالوضوء مثلًا: كونه يبدأ أولًا

<<  <  ج: ص:  >  >>