ولهذا يقدم الله عزّ وجل الإيمان على العمل الصالح؛ والإيمان الذي يكثر ذكره في القرآن فسره النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله:"أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره"(١).
فالذين آمنوا بهذه الأصول {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، قال بعض النحويين: إن الصالحات صفة لموصوف محذوف، والتقدير: الأعمال الصالحات؛ لأن الصالح وصف، والوصف لا يفعل، وإنما الذي يفعل هو الموصوف. هكذا قال، وعندي: أنه لا حاجة لذلك، فما دام الأمر معلومًا فلا حاجة إلى أن يقدر، ونقول: إنَّ {عَمِلُوا} مسلط على الصالحات، والأعمال الصالحة: ما كانت خالصة لله صوابًا على شريعة الله، يعني: ما كان خالصًا صوابًا كما قال الفضيل بن عياض، ومعنى ذلك: ما جمع بين الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فمن عمل عملًا أشرك به مع الله غيره ولو يسير الرياء كان عمله غير صالح، ومن أخلص لله لكن على غير شريعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان عمله غير صالح.
قوله:{سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} السين هنا: للتنفيس، وسبق أن قيل في أصحاب النار:{سَوْفَ نُصْلِيهِمْ}[النساء: ٥٦]، وأصحاب الجنة قيل فيهم:{سَنُدْخِلُهُمْ}، فهل هذا من باب اختلاف التعبير وأن معنى الحرفين واحد؟ الجواب: قال ابن هشام: معنى الحرفين واحد، وقيل: بل معناهما مختلف،
(١) رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان .. ، حديث رقم (٨) عن عمر بن الخطاب.