للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأن السين تدل على القرب، وسوف تدل على المهلة، وهذا هو المعروف وهو الأصح، فإذا قيل كذلك فلماذا جاء الوعيد بالنسبة لأهل النار بسوف ولأهل الجنة بالسين؟

الجواب على ذلك: أن أهل النار يفسح لهم لعلهم يتوبون إلى الله فيرجعون، وحينئذ لا يكونون من أهل النار، أما أهل الجنة فإنهم يدخلون الجنة، ولكن ليس المقصود جنة الآخرة، لكن يدخلون جنة الدنيا قبل جنة الآخرة، مصداق قوله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر: ٢٢]، وقوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: ٩٧] ولا أحد أطيب حياة من المؤمنين أبدًا.

قال بعض السلف: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك - الذين تمت لهم الدنيا على ما يريدون - ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف؛ أي: لقاتلونا مقاتلة لينالوه، ولكن لا يحصل لهم.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية لما حبس: ما يصنع أعدائي بي؟ إن جنتي في صدري (١).

وربما يدل على أن أهل الجنة منعمون أتم نعيم قوله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: ٥٦]، إذا جعلنا الإستثناء متصلًا صار المعنى: أن الموتة الأولى التي ماتوها في الدنيا ذاقوها، والنعيم مستمر من الدنيا إلى الآخرة، ولكن أكثر العلماء يقولون: {إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} إن الإستثناء هنا منقطع، والتقدير: لكن الموتة الأولى.

على كل حال نقول: إنما قال: "سوف" في أهل النار ليمد


(١) انظر: ذيل طبقات الحنابلة (١/ ٣٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>