للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لهم في الأجل، لعلهم يرجعون، فأراهم العذاب وكأنه بعيد، لكن أهل الجنة أراهم النعيم كأنه قريب، حتى ينشطوا على العمل، وأيضًا نقول: إن أهل الإيمان في سعادة حتى في الدنيا، ولهذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وليس ذلك إلا للمؤمن" (١) فكل أمره خير، إن أصابته ضراء صبر مع الله عزّ وجل، وصبر لله، وانشرح صدره، وكما قالت رابعة العدوية لما قطع أصبعها أو أصابها جرح فيها قالت: إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها.

فالمؤمن في الحقيقة حتى وإن أصيب بالمصائب يوفق للصبر، ويثيبه الله عزّ وجل على ذلك، فيكون كأنه لم يصب، وإن أصابته السراء شكر فزيد في النعمة، كما قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: ٧].

قوله: {سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} المراد بالجنات هنا: ما أعده الله عزّ وجل في الدار الآخرة لهؤلاء المؤمنين، ولا يَحسُن هنا أن نقول: الجنات: جمع جنة، وهي البستان الكثير الأشجار؛ لأن هذا ينقص من شأن الجنة، إذ لا ينصرف إلا إلى بساتيننا في الدنيا، وهي مرة تيبس ومرة تخضر، ومرة تصيبها الرياح ومرة تستقيم، لكن إذا قلت: الجنات: جمع جنة، وهي الدار التي أعدها الله سبحانه للمتقين، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، حينئذ يبتهج القلب ويسر.


(١) رواه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير، حديث رقم (٢٩٩٩) عن صهيب الرومي.

<<  <  ج: ص:  >  >>