وعلى هذا: فشأن العلماء في الأمة الإسلامية أعظم من شأن الأمراء، ويجب على الأمراء اتباع العلماء فيما يبينونه من شريعة الله.
ويحتمل أن يكون المراد بالأمر في قوله:{وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}: طلب الفعل ممن هو دون الآمر، أو على وجه الإستعلاء، ويكون معنى الأمر أي: الذين لهم أن يأمروا الناس، والعلماء يأمرون الناس، كما قال الله تعالى:{وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ}[آل عمران: ٢١]، وهم العلماء.
والأمراء كذلك يأمرون، فالأمر هنا صالح لمعنيين أيضًا: الشأن، والأمر الذي هو طلب الفعل على وجه الإستعلاء.
وهنا يقول الله:{وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} ولم يُعِدْ الفعل، فلم يقل جل وعلا: وأطيعوا أولي الأمر؛ لأن طاعة ولاة الأمور تابعة لطاعة الله، ولهذا لو أمروا بما يخالف طاعة الله لم يكن لهم طاعة، فطاعتهم تابعة لطاعة الله ورسوله.
ثم قال:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ} وهذا متوقع جدًا أن يحصل النزاع بين أولي الأمر بعضهم مع بعض، وبين أولي الأمر مع عامة الناس، فالعلماء يختلفون فيما بينهم، والأمراء يختلفون مع العلماء، ومع الناس، أو العلماء يختلفون مع الناس، أو يختلف الناس مع الأمراء، أو ما أشبه ذلك.
المهم أن التنازع هنا غير مقيد، فيشمل التنازع بين العلماء، وبين الأمراء، وبين العلماء مع الأمراء، وبين العلماء مع الناس، والأمراء مع الناس، وهذا لا بد أن يقع.