لهم التعزير به؛ فإن طاعتهم في ذلك واجبة، لكن إذا كنا نعلم أنه ظلم بغير حق فإننا لا نطيعهم.
كذلك أيضًا لو أمروا بإدخال حدود الأراضي على الجيران ظلمًا وعدوانًا، فإننا لا نوافقهم على ذلك ونعصيهم؛ لأن طاعتهم تابعة لطاعة الله ورسوله.
ومن ذلك قصة أمير السرية الذي أمَّره النبي - صلى الله عليه وسلم - على سرية، فخرج بهم، وغاضبهم يومًا من الأيام، فأمرهم أن يجمعوا حطبًا، فجمعوا حطبًا امتثالًا لأمر الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه أمرهم بطاعته، ثم قال:"أضرموا فيه النار، فأضرموها"، ثم قال لهم:"ألقوا أنفسكم في النار، فتوقفوا" وقالوا: نحن من النار فررنا - ولم نؤمن إلا خوفًا من النار - فكيف نقحم أنفسنا فيها؟ فلما رجعوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وحكوا له ذلك، قال:"لو دخلوها ما خرجوا منها"؛ لأنهم قتلوا أنفسهم "إنما الطاعة في المعروف"(١) يعني: في شيء لا ينكره الشرع.
لو نهى الأمير الناس عن الأمور المستحبة فليس له ذلك.
لكن إذا قال لشخص معين: لا تتكلم في هذا، فله ذلك؛ إذا كان يرى أن في كلامه مضرة للناس، أما إذا كان لا يرى ذلك فلا يجوز له أن يمنع الناس من شرع الله، ولهذا امتثل الإمام أحمد رحمه الله حين منعوه أن يحدث. وقال أبو موسى
(١) رواه البخاري، كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، حديث رقم (٦٧٢٦)؛ ومسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية، حديث رقم (١٨٤٠) عن علي بن أبي طالب.