وأما إذا كان لا يعتقد ذلك - ولكن مشى مع الناس - فهذا لا يكفر؛ لأن من الناس - ولا سيما العامة - من لا يدرك هذا الفرق، فهذا لا يكفر.
وبقي أن يقال: إذا كنت في بلد لا يحكم إلا بالقوانين الوضعية؛ كبلد الكفار، أو من أخذ بقوانينهم، فأنت الآن بين أمرين: إما أن يضيع حقك، وإما أن تلجئك الضرورة إلى التحاكم إلى هؤلاء فهل يجوز لك أن تتحاكم إلى هؤلاء؟ الجواب: قد يظهر للإنسان في أول وهلة أنه لا يجوز أن نتحاكم إليهم؛ لأن هذا تحاكم إلى الطاغوت، ولكن نقول: لك أن تتحاكم لا باعتقاد أن ذلك حكم ملزم، ولكن لأجل الوصول إلى حقك الذي لا يمكن أن تصل إليه إلا بهذه الطريق، ثم إذا حكموا لك بما يوافق الشرع فخذ به؛ لأنه شرع الله، وإن حكموا لك بخلاف ذلك فلا تأخذ به، وهذا هو الذي يحفظ للناس حقوقهم؛ لأنه من المشكل إذا كنت في بلد لا يحكم إلا بالقانون الوضعي، وقد أشار إلى هذا ابن القيم رحمه الله في أول كتابه "الطرق الحكمية".
فإن قال قائل: التعبير في الآية الكريمة: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ}، و"إن" لا تدل على وقوع الشرط، بخلاف "إذا" فإنها تدل على وقوع الشرط ولكن توقته، ولهذا تجد الفرق بين أن تقول: إذا قام زيد فأكرمه، أو تقول: إن قام زيد فأكرمه، الأولى تدل على أنه سيقوم لكن إكرامه معلق بقيامه، والثانية لا تدل على أنه سيقوم،