معناها الظاهر، ولكن المعنى يئول إلى القول الثاني الذي هو بمعنى "مَنْ".
وقوله:{مِنَ النَّبِيِّينَ} فيها قراءتان: {مِنَ النَّبِيِّينَ} بالياء، و"من النبيئين" بالهمزة، و"من" هذه بيانية، والمبهم الذي بُيِّنَ بـ "مِنْ"؟ هو اسم الموصول؛ لأنه مبهم يحتاج إلى بيان، وصلته لا تبينه.
قوله:{وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}{أُولَئِكَ} تعود إلى: {النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ}، وهنا قال:{رَفِيقًا} مع أن المشار إليه جمع، يقول العلماء: إن {رَفِيقًا} مفرد صالح للجمع والمفرد، يعني: صالح لهذا ولهذا، فتقول: هؤلاء جماعة رفيق هؤلاء الجماعة أو رفقاء هؤلاء الجماعة، ككلمة "جنب" مثلًا، فجنب لفظها مفرد، ولكنها صالحة للجمع، قال الله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}[المائدة: ٦]، ومثل:{الْفُلْكِ} مفرد لكنه صالح للجمع، قال الله تعالى:{حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ}[يونس: ٢٢]، وقال تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ}[لقمان: ٣١]، وأمثال هذا كثير.
ويعجبني كلمة قالها ابن عقيل رحمه الله - وهو من الفقهاء - قال: إن الأحدب الذي حدبته كالراكع ينوي الركوع، كفلك في العربية صالح للمفرد وللجمع، وهكذا الإنحناء من الرجل الأحدب صالح لأن يكون طبيعيًا أو يكون شرعيًا.
وعلى كل حال: فإن الإنسان إذا ربط العلوم بعضها مع بعض ينتفع، ويكون عنده قدرة على تأليف الفكر، ولهذا تجد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقرن الأشياء التي تظنها بعيدة لكنها قريبة، ويجمعها أصل واحد.