فصار الحذر يختلف: قد نقول لهؤلاء القوم: تعلموا العقيدة، أو تعلموا العلم النافع، وبثوه في الناس. وقد نقول لهؤلاء القوم: تخلقوا بالأخلاق الفاضلة، واجتنبوا السفاسف، ونبين للناس عاقبة الأخلاق السيئة.
وقد نقول لقوم: تعلموا كيف يصنع السلاح، وكيف يرسل، وكيف يتقبل السلاح الوارد عليكم وهكذا، فالآية مطلقة في قوله:{حِذْرَكُمْ}، وحذر كل شيء بما يناسبه.
والأقوال في الأسباب طرفان ووسط، فالذين نفوا الأسباب يقولون: خذ الحذر، لكن لو أخذت الحذر لا تنتفع بحذرك؛ إنما تنتفع عند الحذر وليس بالحذر، ويقولون: الأسباب علامة على الشيء وليست هي سببًا، فمثلًا: إنسان كسلان قال: أريد أن أغتسل لأجل أن أنشط، وفعلًا اغتسل ونشط، فيقولون لم ينشط من أجل الإغتسال، إنما نشط عنده لا به، يعني: أن الله جعل له نشاطًا عند الإغتسال وليس بالإغتسال.
وعندما ترمي الزجاجة بالحجر وتنكسر الزجاجة، يقولون: ما كسرها الحجر، لكن قدر أنها تنكسر عند مماسة الحجر لها، وهذا قول غير صحيح بلا شك (١).
قوله:{فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} هذه قد يقول قائل: إنها تعني أن يكون المراد بالحذر هنا حذر السلاح، ولكنه ليس بلازم؛ لأن عطف المعنى على بعض أفراد العموم لا يقتضي التخصيص، وهذه قاعدة مفيدة.