ومعنى الآيات: أن هذا القسم من الناس الذي يبطئ نفسه ويبطئ غيره، فلا يخرج للقتال في سبيل الله، ويبقى متفرجًا إن أصابتكم مصيبة افتخر واحتقركم، لكونكم خرجتم في حالٍ خُذلتم فيها، وافتخر في كونه نجا من هذه المصيبة، وإن أصابكم فضل فحينئذ يتمنى أن يكون معكم، ليفوز بالفضل الذي هو النصر والغنيمة، وحينئذ نعرف أن هذا الرجل لا يقصد القتال في سبيل الله، وإنما يقصد الدنيا فقط.
وقوله:{كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ} الجملة هنا جملة معترضة، ولكن هل محلها هذا المكان؟
الجواب: قال كثير من المفسرين إن محلها ما قبلها، والمعنى أنه قال:{كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ} قد أنعم الله عليَّ، ولكن الصحيح: أنها ليس فيها تقديم وتأخير، وأن مكانها هو مكانها، وليس شيء أفصح من كتاب الله، وأنه يقول:{كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ} يعني: كأنه لا يريد أن يبين أن تمنيه لكونه معكم من أجل المودة التي بينكم وبينه، ولكن من أجل ما حصل من الفضل الذي هو النصر والغنيمة، وأما المودة فكأنها قطعت حتى في هذا الحال التي فيها الفوز بالنصر.
والفوز في قوله:{فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} لأنه يرى أن أكبر شيء هو الفوز بالدنيا فقط، والحقيقة أن الفوز الأعظم الذي لا فوز أكبر منه هو ما ذكره الله في قوله:{فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}[آل عمران: ١٨٥].
وخلاصة الآيتين: أن من الناس من هو منافق لا يريد القتال في سبيل الله، وإنما يقاتل لأجل الدنيا، فإن أصابتكم مصيبة