على الأعمال مثل الأجرة التي استحقها الإنسان فرضًا على المستأجر، لقوله:{أَجْرًا عَظِيمًا}، فسماه {أَجْرًا}، كأجرة الأجير، مع أن الفضل لله تعالى أولًا وآخرًا، فهو الذي وفقك للعمل، وهو الذي منَّ عليك بالجزاء عليه، ويؤيد هذا المعنى قول الله تعالى:{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[الأنعام: ٥٤]، فكتب على نفسه الرحمة، وهو سبحانه يوجب على نفسه وعلى عباده ما شاء، ولا أحد يعترض عليه.
١١ - عظم درجات المجاهدين في سبيل الله، وجه ذلك قوله:{دَرَجَاتٍ مِنْهُ} فأضافها إلى نفسه، ومعلوم أن العطاء يعظم بعظم المعطي، فلو قلت - مثلًا -: فلان تصدق - وهو من أغنى الناس - لذهب بالك إلى أنه تصدق بشيء كثير، ولو قلت: فلان تصدق - وهو فقير - لم يذهب بالك إلا إلى أنه تصدق بشيء قليل، ولهذا قال:{دَرَجَاتٍ مِنْهُ} فإضافة الشيء إلى الله يدل على عظمته، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في الدعاء الذي علَّمه أبا بكر - رضي الله عنه - يدعو به في صلاته:"فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني"(١).
(١) رواه البخاري، كتاب صفة الصلاة، باب الدعاء قبل السلام، حديث رقم (٧٩٩)؛ ومسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والإستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، حديث رقم (٢٧٠٥) عن أبي بكر.