للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الأعمال مثل الأجرة التي استحقها الإنسان فرضًا على المستأجر، لقوله: {أَجْرًا عَظِيمًا}، فسماه {أَجْرًا}، كأجرة الأجير، مع أن الفضل لله تعالى أولًا وآخرًا، فهو الذي وفقك للعمل، وهو الذي منَّ عليك بالجزاء عليه، ويؤيد هذا المعنى قول الله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: ٥٤]، فكتب على نفسه الرحمة، وهو سبحانه يوجب على نفسه وعلى عباده ما شاء، ولا أحد يعترض عليه.

١١ - عظم درجات المجاهدين في سبيل الله، وجه ذلك قوله: {دَرَجَاتٍ مِنْهُ} فأضافها إلى نفسه، ومعلوم أن العطاء يعظم بعظم المعطي، فلو قلت - مثلًا -: فلان تصدق - وهو من أغنى الناس - لذهب بالك إلى أنه تصدق بشيء كثير، ولو قلت: فلان تصدق - وهو فقير - لم يذهب بالك إلا إلى أنه تصدق بشيء قليل، ولهذا قال: {دَرَجَاتٍ مِنْهُ} فإضافة الشيء إلى الله يدل على عظمته، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في الدعاء الذي علَّمه أبا بكر - رضي الله عنه - يدعو به في صلاته: "فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني" (١).

١٢ - إثبات المغفرة لله، لقوله: {وَمَغْفِرَةٌ}، وهل تثبت المغفرة لغير الله؟ الجواب: نعم، تثبت لغير الله، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤)}


(١) رواه البخاري، كتاب صفة الصلاة، باب الدعاء قبل السلام، حديث رقم (٧٩٩)؛ ومسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والإستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، حديث رقم (٢٧٠٥) عن أبي بكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>