من قوله:{مُرَاغَمًا كَثِيرًا}، فهذا الذي أُذِل هو الآن يُذل أنوف الذين أذلوه بالأمس.
٤ - أن فيها شاهدًا لقول الرسول عليه الصلاة والسلام:"واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا"(١)، وتؤخذ من قوله:{وَسَعَةً} والسعة تفريج بعد الضيق والكرب.
٥ - أن من سعى في الهجرة وأدركه الموت فإن أجره ثابت كامل، وتؤخذ من قوله:{وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}، ويقاس على ذلك بقية الأعمال فمن خرج إلى المسجد يريد الصلاة فمات في أثناء الطريق يكتب له أجر الصلاة.
يقال: إن الثواب لا قياس فيه، لجواز أن يكون تخصيص هذا العمل بهذا الثواب لحكمة لا نعلمها، لكن قال بعض أهل العلم: إن لنا شاهدًا على العموم، وهو قصة الرجل الذي مات في أثناء الطريق، وهو رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، قتلهم عمدًا، ثم جاء إلى رجل عابد، - وكلمة "عابد" معناها: أن العبادة خُلُق له - فسأله، وقال له: هل لي من توبة وأنا قد قتلت تسعة وتسعين نفسًا عمدًا؟ فاستعظم العابد هذا؛ لأنه عابد يخشى الله ويخاف عقابه، وقال: ليس لك توبة، فقتله وأتم به المائة، فهذا العابد جاهل جهلًا مركبًا، ثم دُلَّ على عالم فقال له: إنه قتل مائة نفس عمدًا، فهل له من توبة؟ قال العالم: ومن
(١) هذه الرواية عند أحمد (١/ ٣٠٧)؛ والطبراني في الكبير (١١/ ١٢٣) عن ابن عباس.