للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحول بينك وبين التوبة؟ - وسبحان الله! العلم كله خير - ولكن أنت في أرض ظالم أهلها، اذهب إلى القرية الفلانية ففيها الصالحون أو كلمة نحوها، فذهب الرجل تائبًا إلى الله، وفي أثناء الطريق أدركه الموت، فنزلت عليه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، ملائكة العذاب تريد أن تقبض روحه باعتبار سوابقه، وملائكة الرحمة تريد أن تقبض روحه باعتبار مآله؛ لأن الرجل خرج تائبًا، فتنازعت الملائكة أيهم يقبض روحه؟ والله تعالى هو الذي أرسلهم عزّ وجل اعتبارًا بما يحصل، ثم بعث الله إليهم ملكًا وحكم بينهم، فقال: قيسوا ما بين القريتين فإلى أيتهما كان أقرب فهو من أهلها، فقاسوا فوجدوا أنه أقرب إلى الأرض الصالحة بشبر، وقيل: إنه لما حضره الموت من شدة شوقه صار يدفع بنفسه إلى الأرض الصالحة، فتقدم هذا التقدم، فتولت روحه ملائكة الرحمة (١).

قالوا: فإذا كان هذا فيمن قبلنا فنحن أفضل الأمم، فإذا شرعنا في عمل صالح وأدركنا الموت فإنه يكتب لنا، وهذا ما نرجوه من الله عزّ وجل.

وبناءً على ذلك نقول: من شرع في طلب العلم يريد بذلك ما يريده المخلصون في طلب العلم من حفظ الشريعة، والدفاع عنها، ونفع الخلق، ثم أدركه الموت، فإنه يكتب له ما نوى؛ لكن بشرط أن يكون شروعه شروعًا حقيقيًا، يعني يكون عنده اجتهاد وحرص، لا أن يكون المراد بذلك أن يقطع الوقت، ويقول: أنا لا يوجد لي شغل، فبدل أن أذهب للأسواق أحضر حلقات العلم، فهذا ليس


(١) رواه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار (٣٤٧٠)؛ ورواه مسلم، كتاب التوبة، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله (٢٧٦٦) عن أبي سعيد الخدري.

<<  <  ج: ص:  >  >>