وقد دل القرآن على أن الوصية لا تكون لوارث، وهذا هو الشرط الثاني في الوصية، فالشرط الأول: أن لا تزيد على الثلث.
والشرط الثاني: أن لا تكون لوارث، ووجه الدلالة قوله تعالى:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ}، فجعل الوصية مستقلة عن الميراث، وقال في الآية التي تلي هذه لما ذكر الإرث: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا} [النساء: ١٣ - ١٤]، ولا شك أن من أوصى لأمه بالخمس وقد أعطاها الله السدس، فقد تعدى حدود الله، فإن فرض الله لها هو السدس، وهو زاد على ذلك الخمس، فصار ميراثها أكثر من الثلث، وهذا تعدٍ لحدود الله.
فالوصية التي تقدم على الميراث هي الوصية الشرعية التي جمعت شرطين، وهما: ألا تزيد على الثلث، وألا تكون لوارث.
وقوله:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا} في قوله {يُوصِي بِهَا} دليل على أنه لا بد من ثبوت الوصية، وأن يكون الموصي أوصى بها عن طمأنينة وعن معرفة، فلو أوصى وهو في غمرات المرض، ولم يكن يتصور ما يقول، فإن الوصية لا تقبل، ولا عبرة بها؛ لأنه حقيقة لم يوص بها، وكذلك لو لم تثبت الوصية ببينة، فإنها لا عبرة بها، إلا إذا صدّق الورثة - وهم راشدون - بذلك، فالحق لهم.
وقوله:{أَوْ دَيْنٍ} الدين: كل ما ثبت في الذمة فهو دين،