يُتْرَكَ سُدًى (٣٦)} [القيامة: ٣٦] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الأفعال بلا حكمة لعب ولهو وسدًى وعبث.
والغريب أن استدلالهم بالآية:{لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} دليل عليهم في الواقع؛ لأنه لا يسأل عما يفعل لكمال حكمته، فأفعاله كلها لا تحتاج إلى السؤال؛ لأن حكمتها واضحة، وقد تخفى علينا، ولكن هذا هو الأصل، أما نحن فنُسأل، وأما تعليلهم بأنه لو كانت أفعاله بحكمة لكانت أفعاله واجبة؛ لأن الحكيم يجب أن يتبع ما تقتضيه الحكمة، فنقول: وليكن هذا، لكن من الذي أوجب عليه هذه الأفعال؟ الجواب: هو الله الذي أوجب على نفسه، كما قال:{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}[الأنعام: ٥٤]، وقال: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (١٢)} [الليل: ١٢] فالتزم الله بالهدى والبيان للناس، وأما الملك فقال: {وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (١٣)} [الليل: ١٣].
٨ - تفويض الأمر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحكم بين الناس بما أراه الله، ويتفرع على هذه الفائدة أن له أن يجتهد، وهو كذلك، ثم إن لم يكن اجتهاده موافقًا للواقع فلا شيء عليه، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام:"إنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا فإنما أقتطع له قطعة من النار"(١).
(١) رواه البخاري، كتاب الأحكام، باب موعظة الإمام للخصوم، حديث رقم (٦٧٤٨)؛ ومسلم، كتاب الأقضية، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، حديث رقم (١٧١٣) عن أم سلمة.