والرحمة العامة: الرحمة لعموم الخلق في الدنيا، ولهذا نجد أن الكفار لله تعالى عليهم رحمة، فرزقهم .. وأمدهم .. وأعطاهم عقولًا؛ أي: عقولًا يدركون بها لا عقول رشد وتصرف، وهذه رحمة عامة، وكل ما مر بك من ذكر اسم الرحيم فالمراد الرحمة العامة، ويدخل فيه الخاصة، أما إذا خصت فهي الخاصة؛ كقوله تعالى:{وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}[الأحزاب: ٤٣] وهذه رحمة خاصة بالمؤمنين.
والعجب! أن الأشاعرة أنكروا وصف الله تعالى بالرحمة، وأثبتوا له الإرادة، وقالوا: لا يجوز أن نثبت لله رحمة؛ لأن الرحمة رقة ولين ولا تليق بالخالق، وهذا بناءً على أصلهم الفاسد، وهو أنهم يتلقون ما يعتقدون في ربهم من عقولهم الفاسدة أيضًا؛ لأن الدليل الصحيح لا يناقض العقل الصريح، فيقول أحدهم: لا تصف الله بالرحمة، فمعنى الرحيم عنده: المنعم، أو مريد الإنعام، المنعم لأن النعمة منفصلة بائنة مخلوقة، أو مريد الإنعام لأنهم يثبتون الإرادة.
وسبحان الله! انظر إلى العقل المتناقض، يقول: الإرادة دل عليها العقل بواسطة التخصيص، يعني: تخصيص بعض المخلوقات بشيء من الأشياء يدل على الإرادة، فكون الآدمي على هذا الوصف، والحصان على هذا الوصف، فما الذي جعل هذا على وصف وهذا على وصف؟ الجواب: إرادة الله عزّ وجل، فقالوا: إن تخصيص المخلوقات بما تختص به يدل على إرادة الله.
والإستدلال بهذا على الإرادة استدلال خفي لا يدركه إلا طلبة العلم، بعد أن يقرؤوا، ولا يثبتون الرحمة التي آثارها يعرفها