على كل حال: هي في هذه الآية الكريمة في قوله: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} نقول: {إِنْ} نافية؛ أي: ما يدعو هؤلاء المشركون من دون الله - أي: سوى الله - إلا إناثًا، ومعنى قوله:{إِلَّا إِنَاثًا} قيل: إن أسماء هذه الأصنام أسماء إناث: اللات، والعزى، ومناة، فهذه كلها أسماء إناث، والمؤنث دون المذكر في قوته ومرتبته ومقامه، وفي كل شيء قال الله:{وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}[البقرة: ٢٢٨].
وقيل المعنى:{إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} أي: إن يدعون إلا شيئًا مثل الإناث لا يدفع عن نفسه فكيف يدفع عن غيره، وعلى هذا القول يدخل في ذلك الأصنام المذكرة مثل: هبل، فهبل مذكر، ومع ذلك يعبد من دون الله، وعلى هذا يكون هذا القول أولى بالصواب؛ لأنه أعم، ولأنه يدل على حقيقة هذه الأصنام وأنها لا تدفع عن نفسها شيئًا فكيف عن غيرها.
قوله:{وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا} أي: وما يدعون إلا شيطانًا مريدًا، والدعاء هنا بمعنى العبادة، يعني: وما يعبدون إلا الشيطان، والعبادة هنا بمعنى الطاعة؛ أي: يطيعون الشيطان، كما قال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [يس: ٦٠ - ٦١]، فالشيطان يأمرهم بالشرك فيشركون، فيكون شركهم بالشيطان شرك طاعة، وشركهم بالأصنام شرك عبادة، وقوم هذه حالهم لا خير فيهم، فهم لا يعبدون إلا ما لا ينفعهم، ولا يأتمرون إلا بأمر الشيطان.
= فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ} (٣٣٨٣)؛ ورواه مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب خيار الناس (٢٥٢٦) عن أبي هريرة.